الإسلام أول من قعَّد حقوق الإنسان وذلك منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام من خلال مبادئه السمحة العليا، إذ جاء الإسلام بالتطبيق العملي بما يعرف اليوم بالتحليل السياسي الاجتماعي، أي التحول الجذري في التكوينات الاجتماعية والسياسية، والنظام العام، وفي العلاقات المتبادلة بين الناس في إطار من الحقوق المرعية للإنسان.
مبيناً التفسير السياسي الذي بمقتضاه تتحول قواعد المجتمعات الى شكل جديد مختلف عما هو قائم،وذلك داخل نمط تحدده مسبقا ارادة الله والذي يلتزم الاسلام منهجا وتطبيقا بتنفيذ تعاليمه واطاعة اوامره، والله قد قدر في اللوح المحفوظ القواعد الزمنية للتتابع والتطور السياسي الى قيام الساعة، فطبيعة الحياة السياسية او الاقتصادية وكل ما ينتظم السياق الاجتماعي، وتحديداً قواعد القوة التي تسير بشكل قافلة عابرة تصبح في ارض وتمسي في ارض وفق نواميس الله في خلقه.. {غٍلٌبّتٌ الرٍَومٍ فٌي أّدًنّى الأّرًضٌ وّهٍم مٌَنً بّعًدٌ غّلّبٌهٌمً سّيّغًلٌبٍونّ}، {وّتٌلًكّ الأّيَّامٍ نٍدّاوٌلٍهّا بّيًنّ النَّاسٌ}.. ونصوص قرآنية وشواهد نبوية ومورثات اسلامية كثيرة تؤكد حقيقة التحليل السياسي والاقتصادي وكل ما تلفه مشمولات سنن الاجتماع.
كل ذلك حصل بالقرن الخامس الميلادي قبل ان يطلع ماركس على العالم بنظريته حول تفسير العالم الاجتماعي ومسارات التغيير والتحول منه، حيث يرى الغرب بجهل ان تلك النظرية نبوة لماركس ولم يسبقه عليها احد، بينما المسلمون يتعاملون بها حقائق وليس نظريات في وقت كانت الدولة الاسلامية تعتبر الحضارة الغربية من العالم الثالث.
ولم يصل الغرب الى ما عامل الاسلام به الانسان في الحقائق الاجتماعية والسياسية الا بعد مراحل من الظلم وحقب متتالية من التصادم، انتظمت تنظيرات سياسية كثيرة، كالمثالية والاويجاركية والدكتاتورية والديمقراطية ومفهومات الرأسمالية، والمجتمع المدني والدولة والعقد الاجتماعية، تخللتها ثورات ومنظرون للثورات، كالثورة البرجوازية، وهو بز والسيادة، وروسو والعقد الاجتماعي وآدم سمث والاقتصاد والثورة الصناعية.
كل هذه المراحل من التنظيرات تبنتها قوة عملت على تحقيقها ذهبت بملايين الانفس من القتلى والكوارث من بين المؤيدين والمعارضين ولم يتوصل الغرب الى ما توصل اليه الاسلام من حقوق الانسان الا في العصور القليلة الماضية.
اذ لم يعرف الغرب حتى بعض مفاهيم حقوق الانسان الا منذ القرن التاسع عشر الميلادي من خلال تطور مفهوم الدولة في الفكر السياسي الغربي الذي لازم تطور مفهوم المجتمع المدني بوصفه نظاماً للسوق ولتبادل السلع بين افراد مكتفين ومستقلين، ويتصرفون بطريقة عقلية، وليس بوصفه آلية للعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان، انما جاءت مبادئ حقوق الانسان كوسيلة لتحقيق غاية السوق.
الحرية
ان اول حقوق الانسان في فلسفة الاسلام هي الحرية، فجاء الاسلام ليعطي الانسان حريته كاملة في الارادة، فخلص الناس من عبادة الناس، وجعل عبادتهم لرب العباد «متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا» وعامل الناس بالعدل والاحسان، حتى الديانات السماوية الاخرى كاليهودية والنصرانية لم ينقصها حقها من الاعتبار، واكد رسول الله صلى الله عليه وسلم ان الدين الاسلامي مكمل للديانات السماوية وان محمداً خاتم الانبياء والرسل، واعترف بالانبياء والرسل وناداهم باخوته، ولم تصب الدولة الاسلامية حين اوج مجدها بالغرور والغطرسة والرغبة في تملك القوة والاستحواذ على العالم كما يحصل في العصر الحديث، وعامل الاسلام غير المسلمين بالعدل وآمنهم على مالهم وانفسهم وحفظ لهم حقوقهم، واعتبرهم ناساً لهم حقوقهم ومنع التعدي عليهم.
والاسلام حرر الاقتصاد وجعل آلية السوق نفسها بنفسها وجعل حركة السلع حرة طليقة تتحرك بشكل آلي حسب الطلب والعرض، ومنع الاحتكار او الاستغلال حيث اعطى الاسلام حق الملكية الخاصة، وحق حرية الحركة على ألا تقوم على الاستغلال والاحتكار ولا تتعارض في المصالح العامة، وان تكون الملكية الخاصة دافعاً قوياً وفاعلاً على تحقيق الانتاج وزيادته وتعميم الخير للانسان تحقيقا لحقوق الانسان على الدولة.
والاسلام بصفته مكمل الديانات وآخرها فلاشك انه الدين الصالح للناس، فمعلوم بضرورة الصناعة ان اي جيل جديد من منتج «معين يتلافى عيوب ما سبقه من اجيال» وهي صناعة الانسان وكيف بصناعة رب الانسان وموجده من العدم.
عالمية الاسلام
والاسلام جاء بالعالمية قبل ان يعرف الغرب العالمية او العولمة وهي عالمية «كولو نيالية» وعولمة اقتصادية استغلالية، أما عالمية الاسلام فهي عالمية انسانية، تنادي بحقوق الانسان الروحية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وكل ما ينفع الخلق ويحقق لهم التضامن والوحدة والرضى النفسي والاشباع الغريزي نحو التآلف والتوادد والاطمئنان «الخلق عيال الله» «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى» «يابني آدم»، «يا أيها الناس» «كلكم لآدم وآدم من تراب» أما امريكا فلسان حالها يقول لا فضل لأي إنسان على امريكا والفضل كله للامريكي.
الضرورات الخمس
والإسلام حفظ للإنسان الضرورات الخمس، وسن التعاليم والاوامر والنواهي لحفظ هذه الضرورات، فكل فعل امر الاسلام باتيانه او فعل نهى الاسلام عن اتيانه يتعلق بعقل الانسان او صحته او حواسه العقلية او الذهنية او الجسمية تعتبر كلها من حقوق الانسان ومن اهمها:
المرأة
ولم يعن اي دين بمثل ما اعتنى الاسلام بالمرأة، فجعلها مناط التكليف كالرجل تماما، وجعل لها حقوقا وعليها واجبات، وخاطبها بالتكاليف كما يخاطب الرجل، وجعل لها أهلية الأداء والتصرف، وقعد حقوقها في الإرث وفي الاختيار وفي الإرادة وفي حرية التملك المشروع، في الوقت الذي كانت المرأة فيه والى بداية عهد الثورة الصناعية في اوروبا تعتبر من سقط المتاع، فلا ثارت بل تؤرث، وليس لها شخصية اعتبارية ولا حتى اسم ولا شخصية بل تلحق باسم زوجها وشخصيته.
والاسلام يعتبر المرأة نصف المجتمع ولا يكتمل الشيء الا بنصفه الثاني، وحث الاسلام على تعليم المرأة، وأهل الاسلام المرأة لقضايا المجتمع حسب مؤهلاتها الذهنية وقابلياتها العقلية سواء ربة منزل او عاملة في الشأن العام او مدرسة او طبيبة ولها ادوارها الطبيعية، اقتصاديا وتربويا واجتماعيا وعلميا وسياسيا وكل مناحي الحياة وفق البيئة العامة للاسلام.
الإرهاب
ونبذ الاسلام الإرهاب {مّن قّتّلّ نّفًسْا بٌغّيًرٌ نّفًسُ أّوً فّسّادُ فٌي الأّّرًضٌ فّكّأّنَّمّا قّتّلّ النَّاسّ جّمٌيعْا} وحث على الأمن الجسدي والنفسي ودفع غائلة الجوع عن الانسان {الّذٌي أّطًعّمّهٍم مٌَن جٍوعُ وّآمّنّهٍم مٌَنً خّوًفُ } .. فالإسلام ينهي عن تخويف الآمنين على انفسهم وممتلكاتهم سواء داخل منازلهم او في الطريق او في اي مكان آخر.
العدل الاجتماعي والسياسي
وأسس الاسلام قواعد العدل الاجتماعي كالمساواة في الانسانية «لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى» وحث على التكافل الاجتماعي من خلال مصارف الزكاة والحث على التصدق والبر والاحسان وبذل الخير وتعميمه كحق الانسان الفقير على الانسان الغني، وهي مبادئ سامية لم تعرفها مؤتمرات الشمال والجنوب، وأسس مبادئ العدل السياسي من خلال تحقيق الشورى السياسية «الديمقراطية» وهي حقوق الناس المحكومة على الانسان الحاكم، حيث نهى الاسلام الحاكم السياسي عن السخرة او القهر لرعيته وأمره بتحقيق الفرص وتأمين العمل واختيار الأكفاء في إسناد الولاية له.
وأكد الاسلام على حق الانسان في العمل وعلى اتقانه وعلى حق العامل بالاجر، واتاحة الفرصة للانسان وفق قابلياته وقدراته العقلية والذهنية وما تمكنه مواهبه، اذ يرى الاسلام ان الدور السياسي والرئيسي للانسان في المجتمع هو ان يكون منتجا، مؤكدا بالممارسة ان العمل هو الحقيقة الاجتماعية الاولى بعد عبادة الله وهو مرتبط مباشرة بالكفاح من اجل البقاء، واشباع حاجات الانسان الاساسية «الإعمار» وتخلق ادوات الانتاج التي يستخدمها خلال مراحل الحياة، وكذلك العلاقات الاجتماعية التي يطورها اثناء العملية الانتاجية نسقا طبيعيا متدرجاً في كل مراحل تاريخ المجتمع الاسلامي.
وحماية الثغور وتكريس مبدأ الامن للانسان، وحث على الصناعة والبناء الاقتصادي، وايجاد قيم المجتمع المدني من خلال الاستيطان والاعمار، واقامة الجمعيات الاهلية واشاعة الروح الانسانية، ولم تقتصر مفاهيم الاسلام ومثله العليا على الانسان، بل تعدت ذلك الى حقوق الحيوان وعلى حماية البيئة فنهى عن قطع الشجر واحراقه، وحث على الزراعة، وحث الاسلام على حق الاجير ونادى بكتابة العقود والمواثيق وسن حقوق الاسير، وقوانين الحرب، مبادئ قيِّمة ومثل سامية لم تصلها اعدل دساتير العالم حتى الآن.
وحث على اعتاق الرقيق في الوقت الذي كانت امريكا فيه والى حد قريب نسبيا تصطاد السود من افريقيا كما تصطاد الحيوانات وتسرقهم للعمل في مزارعها وبدون رحمة.
حق التعليم
وحث على حق الانسان في التعليم{اقًرّأً وّرّبٍَكّ الأّكًرّمٍ الذٌي عّلَّمّ بٌالًقّلّمٌ عّلَّمّ الإنسّانّ مّا لّمً يّعًلّمً }.. «تعلموا العلم ولو في الصين» ونهى عن ضرب الاطفال حتى ولو من اجل التعليم، وهي حقوق لم يتفطن لها الفكر الغربي إلا حديثا وحديثا جدا.
* كاتب سعودي.. وباحث في علم الاجتماع السياسي
|