* بكين ـ خدمة الجزيرة الصحفية :
في الجانب الكوري الشمالي من المنطقة منزوعة السلاح، وفي عمق المنطقة الجبلية، تكمن آلاف الأنفاق المزودة بالمدفعية القادرة على إطلاق 000 ،500 قذيفة في الساعة باتجاه سيول، تمثل المدافع الشمالية تعبيرا عسكريا ذي مغزى، غير أنها أيضا تستخدم من قبل بيونغ يانغ كأداة دبلوماسية هامة.
بعد ثلاثة أيام من انطلاق أول محادثات بين الكوريتين، الشمالية والجنوبية، في شهور عديدة، يواصل الشمال اللعب بورقته العسكرية من خلال عدم الالتزام بأية محادثات عسكرية.
ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة في الجنوب «ديسمبر»، تزداد حاجة الرئيس كيم داي جونغ إلى تأكيد الشمال لسياسته المسماة «سياسة الشمس المشرقة» والخاصة بالشروع في خطوات ملموسة من نحو المحادثات حول الأسلحة وخفض القوات والعتاد العسكري في المنطقة منزوعة السلاح بيد أنه لم يحصل على أي تأكيدات.
كانت محصلة اجتماعات سيول بين وزراء كبار من الكوريتين اتفاقات على استئناف أعمال جمع شمل الأسر التي فرقتها حرب تعود إلى الخمسينيات، وعلى عقد مزيد من المحادثات الاقتصادية هذا الشهر، والبدء في سلسلة من اللقاءات المتبادلة في كرة القدم والتايكوندو.
يقول المحللون إن مجرد انعقاد الاجتماعات يعتبر في حد ذاته عملاً هاماً.
ولشهور كانت المحادثات قد توقفت بين الجنوب الفاعل اقتصادياً، والشمال المعزول المعدم، بسبب الخطابات الحادة وحادث اطلاق النار في البحر الأصفر عشية نهائي تصفيات كأس العالم لكرة القدم، التي استضاف الجنوب جانباً منها.
ردت سفينة دورية تابعة لكوريا الجنوبية بإطلاق النار على زورق كوري شمالي قام بعبورالحدود البحرية ما أسفر عن مصرع أفراد من الجانبين.
وفي الحقيقة، جاءت المحادثات بعد مفاجأة صيفية غير متوقعة تمثلت في مبادرة شمالية، تضمنت لقاء بين وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ووزير خارجية كوريا الشمالية بيك نام-سن، بل ذهبت كوريا الشمالية الشهر الماضي إلى إعلان نيتها في تجريب اقتصاد السوق، ومع كل ما جرى قوله وفعله، فان الأقوال كانت أكثر من الأفعال كما يقول المحللون.
لم يتم تحديد أية مواعيد لخطة تهدف إلى ربط الكوريتين عبر خط حديدي، استخدم آخر مرة في عام 1950، أعتبر حجر الزاوية في اتفاقيات أمكن الوصول إليها في عام 2000.
يقول مصدر كوري جنوبي مقرب من وزارة الخارجية إن «رفض الشمال تحديد موعد لمحادثات عسكرية على مستوى رفيع يشير إلى أن الوجود العسكري القوي هناك سيظل كما هو».
وهو أضاف «كما لم نحصل أيضا على اعتذار في شأن الحادث البحري».
مزيد من المصافحة
يواصل الشمال مغازلة العالم الخارجي، وفي الأسابيع القادمة، يقوم مسؤولون يابانيون وأمريكيون بأول زيارات لهم إلى بيونغ يانغ في شهور عديدة، تأتي الزيارة الأمريكية مع اعلان بيونغ يانغ هذا الاسبوع أنها لن تراعي أعمال التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة النووية على بناء مفاعل نووي.
ما يزال الأسمنت الخاص ببناء المحطة الأولى طرياً في الموقع، بعدما تم صبه الأسبوع الماضي في احتفال في كوريا الشمالية حضره مسؤولون أمريكيون.
وتقوم الولايات المتحدة بتمويل بناء المفاعل كجزء من اتفاق جرى التوصل إليه في عام 1994، والتزمت كوريا الشمالية بموجبه بإثبات أن لا تقوم مستقبلا بالتلاعب في، أو الإضافة إلى، مستودع البلوتونيوم، المختوم بالشمع الأحمر، الذي يشعرالمسؤولون الأمريكيون بامكانية استخدامه في صنع أداة نووية واحدة أو اثنتين.
يقول المسؤولون الكوريون الشماليون إنه قبل التباحث حول موعد بدء أعمال التفتيش يتعين على الولايات المتحدة أن تدفع تعويضات مالية عن الطاقة الكهربائية التي أضيعت بسبب التأخير في بناء المفاعل.
يقول دبلوماسي غربي كبير «يرغب الشمال في محادثات تقربه من الأموال، لكنه يتقاعس عن كل شيء يرغب فيه شركاؤه».
وهو يضيف «يمكنني القول إن ما حدث هذاالاسبوع هو أن الشمال قدم إلى الطاولة، إنهم يستغلون حضورهم إلى المحادثات كحدث كبير».
اليابان، التي لم تكن لها أية علاقات رسمية مع الشمال، ما تزال لديها مصالح هامة هناك، ومؤخرا قامت اليابان بانتشال زورق، يقال إنه كوري شمالي، من قاع البحر بعدما غرق أثناء محاولة الفرار من المياه اليابانية.
وفي العام الماضي، وإثر ما وصفه مسؤول ياباني بكونه «معاملة سيئة» من قبل الشمال، أوقفت اليابان إرسال الأرز للشمال لإطعام مواطنيه الذين يعانون من الجوع الطويل.
في عام 1988، أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً ثلاثي المراحل فوق الجزء الشمالي من اليابان، في إنذار لجيرانها من مشروع أمريكي لحاجز دفاع صاروخي.
وبشكل رئيسي، يرى كثير من الدبلوماسيين الأمريكيين ونظرائهم المتشددين في كوريا الجنوبية أن المشكلة الرئيسية تتمثل في التهرب من محادثات حول إزالة الألغام، وسحب القوات والأسلحة بعيدا عن المنطقة منزوعة السلاح.
وهم ينظرون إلى التبادلات الثقافية، ولقاءات الأسر، والمواعيد التي يجري إعلانها لحوارات جديدة باعتبارها محاولات من قبل الشمال للتلاعب بمشاعر الكوريين الجنوبيين.
ويقولون إن ستر الدخان هذه تتيح للشمال الانشغال في مفاوضات دبلوماسية، والاستمرار في ذات الوقت في طلب أموال وغذاء.
تتنامى الدعوات لمواقف متشددة في أوساط مجموعة من المحافظين في كوريا الجنوبية، الذين يشعرون بأن سياسة الشمس المشرقة، رغم حسن مقاصدها، يجري استغلالها وإساءة التعامل معها بشكل متزايد من قبل الرصيف الشمالي.
كيم جونغ الثاني
دوافع كوريا الشمالية في معرض إجابته عن سؤال حول وصف الرئيس بوش للشمال بكونه جزءا من «محورالشر» قال وزير خارجية كوريا الجنوبية، جونغ رو-ماينغ إن «سياسة كيم جونغ الثاني القائلة «العسكرية أولا» هي التي تبقي نظامه على السلطة، تريد الجمهورية الكورية من كوريا الشمالية أن تختار اقتصاد السوق، لكن الهدف الرئيسي لكوريا الشمالية يبقى متمثلا في الحفاظ على نظامها السياسي.
«يقول مؤيدو سياسة الشمس المشرقة إن مسائل من نحو الاتفاقيات العسكرية ينبغي تحقيقها مع مرور الوقت، وإذا لم يتم استفزاز الشمال لأعمال عدائية، فمن الممكن احداث «هبوط سلس» من خلال انتصارات صغيرة والصبر الذي سيغير النظام رويدارويدا.
يقول المحللون الأمريكيون والكوريون الجنوبيون إنه رغم وجود إمكانية استغلال الشمال حاليا لحالته المشكلة كعامل تأثير، فالراجح أن هذه الاستراتيجية سيمكن التعامل معها مع مرور الوقت.
«ويقول مصدر غربي» ربما يكونوا متناقضين، لكنهم يهدفون إلى بقاء النظام» وهو يضيف «إنهم ليسوا حمقى».
* روبرت ماركواند / «كريستيان ساينس مونيتور»
|