Sunday 1st September,200210930العددالأحد 23 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

هؤلاء هم العرب هؤلاء هم العرب
فرانك فوغيت

استيقظي أيتها الولايات المتحدة، فمجموعات المصالح الخاصة، وسائل الاعلام، والساسة التواقون للأموال يقومون بالإيقاع بك في شراك تصوير العرب جميعا كأشرار.
غالبا ما تحدثنا وسائل الاعلام بأن استطلاعات الرأي تظهر تأييد الأمريكيين للإسرائيليين في مواجهة الفلسطينيين. على أي أساس؟ كم من الذين شملهم الاستطلاع شاهدوا عربيا، تحدثوا إلى عربي، أو عملوا مع عربي؟ أغامر بالقول: قليلون جدا. فعلام إذن يؤسسون آراءهم؟ إنهم واقعون بشكل كبير تحت تأثير وسائل الاعلام المتحيزة، التي لا تألو جهدا في التأكيد على أن كل العرب أشرار. هل هنالك عرب أشرار؟ بالقطع هنالك عرب أشرار. هل هنالك أمريكيون أشرار؟ لدينا الكثيرون منهم. أين هم كل الأشرار الإسرائيليين؟ لابد من وجود بعضهم، لماذا لا نسمع الكثير عنهم؟ لقد عشت في الشرق الأوسط لما يزيد عن 33 عاما. وقد شاهدت عربا، وتحدثت إلى عرب، وعملت مع عرب وعشت مع عرب، وعلى امتداد هذه السنوات ال 33 واتتني الفرصة للالتقاء والتفاعل مع عرب من مختلف المراتب - ملوك، وزراء، أمراء، أساتذة جامعات ورجال أعمال - وعملت مع مستخدمين عرب من العامل إلى الرئيس. وأحسب أن في هذا ما يؤهلني للحديث عن العرب.
لدى العرب ذات الأماني والطموحات الموجودة لدى الأمريكيين، إنهم يحبون عائلاتهم، ويحبون بلدهم، ويحبون أرضهم، ويرغبون في تطوير أنفسهم، ويريدون العيش في سلام. والعرب هم أكثر الشعوب التي عرفتها كرما، والعرب الذين أعرفهم لا يحكمون على الناس بعِرقهم، أو دينهم أو جنسيتهم - وإنما بشخصياتهم، إنهم من بين أفضل الشعوب التي التقيتها ملاحظة وإدراكا ولقد تجولت في مختلف بقاع العالم. إنهم يحكمون عليك في قلوبهم، غير أنهم يبغضون أن يوجهوا لك النقد وجهاً لوجه أو علانية.
والعرب يحيّونك ب «السلام عليكم» وينبغي عليك أن تجيبهم ب «وعليكم السلام». وبالنسبة للعرب فالسلام ليس بلاغة أو بيانا، بل هو اسلوب للحياة، قصدت الشرق الأوسط في عام 1954 للعمل كمهندس مبتدىء - شغوفا ومغامرا، قضيت شهري الأول في مركز تدريب في صيدا، بلبنان. تعلمت هناك قدرا من لغة المخاطبة العربية. وجوانب من الثقافة العربية، خلال عطلات نهاية الاسبوع وفي الأمسيات كنت أقوم بالسفر بدراجتي البخارية في مناحي لبنان المختلفة، بل وحتى إلى سوريا. كانت الخبرة الجيدة هي كل ما أملك. وكنت أقوم بالتوقف عند قرية ما لتناول بعض المرطبات وفي مرات عديدة كان يتم دعوتي لمنازل العرب للالتقاء بأسرهم، ومشاهدة بساتين الزيتون الخاصة بهم، وتناول المرطبات أو الطعام.
لقد كانت تلك بحق تجربة رائعة، بعدئذ سافرت إلى المملكة العربية السعودية، مقصدي النهائي، واصلت اهتمامي بالعالم العربي عن طريق زيارة القرى في المملكة. كان العرب يقومون بدعوتي لقراهم ومنازلهم لتناول الطعام أو القهوة. كانوا يتقاسمون طعامهم معي. كنت أجلس على وسائد في «مجالسهم» الممتدة بمحازاة الجدار لشرب القهوة فيحضرة 20 - 25 شخصا في بعض الأحيان. كان المضيف يقوم بالتنقل في المناحي المختلفة للغرفة وهو يحمل «دلة» القهوة كبيرة الحجم مقدما لضيوفه القهوة الساخنة المطعمة بحبيبات الهيل. إلى حين نفرغ جميعا من تناول أكوابنا الثلاثة المعتادة. بعدئذ، يبدأ المضيف في تقديم الشاي الساخن. كانت المحادثة معهم فرصة طيبة بالنسبة لي للتمرن على اللغة، كانوا يضحكون دلالة على فهمهم لما أقول حين لا أحسن نطق كلمة ما، وكثيرا ما كنت أقوم بالاعتذار عن الدعوات لكثرتها. ما كان علي أن أقوم بأكثر من خطوة واحدة باتجاه الشارع، حتى يمسكوا بي ليقولوا «يتعين عليك أن تأتي إلى منزلي للقهوة»، كانوا صادقين بالفطرة ومفعمين بحسن الضيافة. كنت موجودا هناك خلال الحرب العربية-الإسرائيلية في عام 1967، كان الجو يسوده التوتر بسبب دعم الولايات المتحدة لإسرائيل. طلب مني أحد أصدقائي العرب أن أبعث بأسرتي إلى قريته لتكون مع أسرته التماسا للسلامة، بالطبع ما كان بوسعي أن أبعث بأسرتي، إذ انني لم أرد أن أجعل أسرته عرضة للأذى. نتيجة لذلك. قام الصديق بإحضار صديق عربي آخر للبقاء مع أسرتي لحمايتنا. يا له من وقت شاق ذلك الذي أنفقته في محاولة إقناعهما بأن لا ضرورة للأمر.
اتصل بي هاتفيا صديق عربي آخر خلال حرب 1967 العربية- الإسرائيلية ليقول لي إنه سمع عن عمليات إخلاء للأمريكيين، وأراد أن يعرف ما إن كنت ساغادر البلاد. أخبرته أنني لن أفعل، لكنني افكر في إرسال زوجتي وابنتي ذات الثلاثة أعوام. سألني: لماذا؟ إن لديك أصدقاء كثيرين هنا. أجبته: «أنا لست قلقاً بشأن أصدقائي». وضحكنا معاً على ذلك لسنوات عديدة تالية. كان كثيرا ما يسألني ما إذا كنت قلقاً بشأن أصدقائي. حين أراد أحد أصدقائي العرب السفر إلى أمريكا للعلاج، أحضر لي مبلغاً كبيراً من المال وطلب مني أن أرعى أسرته أثناء غيابه. كان أكبر أبنائه يعودني كل أسبوع فأعطيه قدرا معلوما من المال للانفاق، ولما علم رئيسي بالأمر نصحني
أن لا أقوم بهذا العمل. فربما يصيب صديقي مكروه وتسبب لى أسرته مشكلات. الواضح أن رئيسي لم يستطع إدراك رابط الصداقة الذي ألّف بيننا. ما كان بوسعي على الاطلاق انتهاك تلك الصداقة. ولما يزيد على عام ظللت أقوم برعاية أسرته حتى عودة صديقي إلى المملكة العربية السعودية.
ذات مرة وأثناء عودتي إلى المملكة بعد قضاء عطلة، قمت وزوجتي - دون قصد- بترك احدى حقائبنا على الرصيف خارج مبنى المطار بينما كنا نقوم بنقل الأمتعة إلى داخل السيارة. بعد نهاية الاسبوع، سألنا سائق سيارة بالشركة أن يرى ما إن كانت الحقيبة قد نقلت مصادفة إلى قسم الأمتعة المفقودة. عاد السائق بالحقيبة. أخبره عاملو الأمن في المطار أن الحقيبة ظلت على الرصيف لمدة يومين. وحين لم يتقدم أحد لتناولها قام أحد رجال الشرطة في النهاية بنقلها إلى قسم الأمتعة المفقودة.
حاول أن تترك حقيبتك على رصيف مترو نيويورك لمدة يومين!!
في المملكة، يمطرك البدو بوابل من التحايا حين تقترب سيارتك من خيمتهم ويلحون عليك للتوقف وتناول القهوة معهم، ويمكنك أن تسافر في كافة أنحاء المملكة دونما خوف من أن تسرق سيارتك. وأن تنصب خيمتك في عمق الصحراء مع البدو الذين يتوقفون لزيارتك. وأن تغرز سيارتك في الرمال ويتوقف كل عابر سبيل للمساعدة. وأن تترك أبوابك غير موصدة (وهذا ما لا تفعله في أمريكا) وهؤلاء هم العرب الذين يتعين على الأمريكيين معرفتهم. انني أترككم مع هذه الأمثلة القليلة للكثيرين والكثيرين من العرب الذين أعرفهم.

* مسؤول رفيع سابق بشركة أرامكو

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved