الفتى التهامي الذي احتل قمة الفن العربي
محمد يحيى القحطاني

هذا الطفل الصغير ذو الجسم النحيل والقدمين الحافيتين لم يتذمر ولم ييأس يوما وظل طويلاً يصارع الحياة القاسية التي كشرت له عن أنيابها مبكراً. ولم يكن أحد من أصدقائه الصغار وممن حوله يعلم أنه سيصنع مجداً لامثيل له وسيصدح صوته في كل مكان ويتربع وحيداً على قمة الفن العربي كأحد رموزها ويشار له بالبنان في كل مكان.
محمد عبده عثمان عسيري ولد في جدة ووالده من جبال أبها الشامخة وبالتحديد من منطقة تهامة التي عرف أهلها بالكرم والشهامة وتحمل المشاق وكان يعمل في البحر ولكنه توفي وترك زوجته التي صبرت على «الفقر» لتربي «محمد» الذي هو الآخر فقد «حائطاً» كان يستند عليه إذا اشتد الزمان..
كان هذا الطفل يفكر كثيراً ويخلو إلى نفسه وقتاً طويلاً لم يستطع أحد آنذاك ان «يتنبأ» بما سيفعله أو من سيكون في يوم من الأيام.. والحرمان هو الذي «فجر» موهبة ربما لن تتكرر في وقت قريب ليؤكد هذا الطفل «ان الحرمان يولد الإبداع» ويوماً بعد يوم يشتد عود هذا الفتى ويترك البحر بأمواجه ويصنع لنفسه سفينة يدخل بها عالم الفن فكان فنان القرن العربي الأول وفنان العرب محمد عبده.
دخل محمد عبده مجال الفن وبه كثير من الرواد الذين كان ينظر إليهم بإعجاب وربما كانت عيناه تقول «ليتني مثلهم» وما ان رسخ اسمه في أذهان الجماهير التي كانت تهوى الطرب حتى «صار» مزاحماً ومنافساً لرفيق دربه الراحل طلال مداح - رحمه الله- الذي وافته المنية قبل عامين في أبها.
وحين تقلب في مكتبة هذا الفنان تعجز من أين تبدأ وكيف تبدأ... ومتى ستنتهي!!!
الفنان محمد عبده يعتبر أكثر فنان عربي وربما عالمي تغنى لوطنه وتغزل فيه وفي حضارته قوية الجذور وهو نفسه الفنان الوحيد الذي غنى لأكبر عدد من الشعراء الكبار في المملكة والوطن العربي ولحن غالبية أغانيه وشارك في «جميع» أوبريتات الجنادرية والمهرجانات الغنائية في المملكة وغالبية المهرجانات العربية وربما كان أكثر فنان عربي يشارك في الحفلات الصيفية وصاحب ورائد مدرسة تصوير أغانيه على المسرح بلا رتوش أو خدع «إخراجية» وربما كان الرائد في طرح حفلاته في الأسواق دون تعديل كقدرة فائقة على جمالية الصوت وعدم اختلاف الغناء في المسرح عن الاستديو..
وخلال مسيرة فناننا الفنية فقد دخل مجال التمثيل ولكنه أعلن «فشله» ولم يكررها مرة أخرى ولأنه من الرواد فقد حصل على وشاح الملك عبدالعزيز من يد خادم الحرمين الشريفين ولأنني لست متأكدا -تماماً- فاعتقد ان أغنية «يابوشعر ثاير» كانت أول أغانيه المسجلة بينما كانت أغنية «ماكو فكه» أولى تعاوناته خارج السعودية وبالتحديد دولة الكويت التي كانت مفتاحاً للقنبلة العربية أغنية «ابعاد» التي لازال صداها حتى الآن مجلجلاً ومدوياً وإذا ما أردنا حصر أغانيه فلن نوفيه حقه سواء في العدد الذي اختلف عليه كثيرون أو الكلمة أو اللحن أو الأداء...
حسناً يا فنان القرن أنت حقاً صاحب جامعة فنية ومعهد موسيقي متنقل يتعلم منك أهل الفن جميعاً.. أنت الحاضر الجميل لنا.. وأنت فنان الوطن الأول فلا يشبهك أحد منهم.. جعلتنا راقين بفنك وأصحاب ذوق رفيع.. وأنت تعلم يا أبا عبدالرحمن أن الفن موهبة وتمكن وذكاء.. وقد جمعتها لك التقدير في كل مكان.. وجماهيرك تنتظرك في كل مكان وتصفق لك.
من كان يتوقع ان هذا الطفل التهامي سيتربع يوماً ما على قمة الفن العربي ويعتليه «وحيداً»؟؟
ردود القراء:
الأخوة الذين أرسلوا لي برسائلهم الاسبوعين الماضيين أشكرهم جميعاً حتى وان اختلفوا معي وأعدهم إن شاء الله بالمزيد الذي «يرضيهم» في الأيام القادمة.. أعدكم بذلك!!
* الأخ: سليمان العطا الله - الرياض -:
كلامك جميل.. وكل ما أشرت إليه صحيح وأتمنى ان تواصلنا بما تكتب ولك شكري.
* الأخت رهف: من الصعب تحقيق طلبك ولكن أعدك بحوار مطول مع الفنان جواد إذا اتيحت الفرصة.
* الأخ أبوراكان: أشكرك جداً على أسلوبك «الراقي» ونقدك البناء.. وهذا يعكس ثقافتك العالية وإدراكك للأمور.
***
إيقاع القلب: