يتزايد الانقسام داخل الإدارة الأمريكية حول العراق ليتحول إلى انقسام فكري وبين أجيال مختلفة، ويمكن أن نطلق على المعسكرين المختلفين معسكر الواقعيين ومعسكر «الريجانيين» رغم أن هذا تبسيط زائد للأشياء، فعلى الجانب الأول يقف خبراء السياسة الخارجية التقليديون والمحافظون الذين يركزون على دراسة المصالح القومية والعمل مع الحلفاء، أما الجانب الثاني فيقف عليه مجموعة من صغارالمسؤولين الذين تولوا مناصب صغيرة في إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان وهؤلاء يتبنون منطق القوة والعمل الفردي.
ولكن بغض النظر عن الخلافات، يمكن القول إن إدارة الرئيس بوش قررت ضرورة تغيير النظام العراقي، ولكن بعد اجتماع الرئيس بوش مع كبار مستشاريه لشؤون الأمن القومي في مزرعته بتكساس ظهر انه مازالت هناك الكثير من التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع، مثل كيفية تغيير النظام العراقي ومبرراته، محل خلاف.
ويبدو أن التحذيرات القوية من مسؤولين سابقين كبار مثل برنت أسكوكروفت مستشار الأمن القومي الأسبق وهنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق قد ألقت بظلالها على تحديد توقيت وشكل العمل العسكري ضد العراق وربما على فكرة العمل العسكري ككل، ويمكن القول إن الخلاف الحالي هو خلاف بين معسكرين فكريين وليس بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ففي الأسبوع الماضي تحدث برنت اسكوكروفت مستشار الأمن القومي الأسبق وأحد مساعدي الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب أثناء حرب تحرير الكويت عن الحرب المنتظرة ضد العراق وأظهر رفضه لفكرة الغزو المحتمل للعراق مؤكدا أن الخسائر الناجمة عن فكرة الحرب ككل سوف تؤثر على موقف أمريكا في الشرق الأوسط.
وقال اسكوكروفت في لقاء تلفزيوني معه إن مثل هذا الهجوم قد يحول منطقة الشرق الأوسط إلى مرجل يغلي وينذر بالانفجار كما سيدمر الحرب ضد الإرهاب.
ويرى بعض المحللين أن اسكروفت بالتعبير عن معارضته للحرب بصورة علنية ربما أراد أن ينقل رسالة موجهة من الرئيس الأسبق جورج بوش الأب إلى ولده الرئيس جورج بوش الابن لكي يعالج الأمور بمزيد من التأني.وهذا الاحتمال وارد ولكن يمكن أيضا أن يكون اسكوكروفت قد أراد توجيه رسالة من جيل كامل من الخبراء المحافظين الذين حاربوا وانتصروا في الحرب الباردة من خلال مزيج مع الوسائل والحلول.
أما وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والأشهر هنري كيسنجر ومستشار الرئيس كارتر للأمن القومي زيبجنيو برجينسكي فقد حذرا أيضا وبصورة واضحة من التخطيط لغزو العراق رغم أن كلاً منهما ألمح إلى تأييد تدخل عسكري من نوع ما.
ومن المعسكر الآخر تحدث واحد من أكثر الريجانيين تشددا وهو مستشار وزارة الدفاع الأمريكية ريتشارد بيرل حيث وصف اسكوكروفت بأنه «ساذج» وقال إن الولايات المتحدة تحتاج إلى الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين قبل أن يحصل على السلاح النووي.
ويضم معسكر بيرل عددا من المسؤولين الأمريكيين مثل نائب وزير الدفاع الأمريكي بول ولفيتز وآخرين. يقول ولفيتز إن العراق ليس المشكلة التي يمكن أن نعيش معها دون أن نحلها.
وبالفعل نجح التيار المتشدد في الإدارة الأمريكية في فرض صوتهم على وسائل الإعلام وجعل مسألة الحرب مع العراق حتمية تقريبا، وقد استغل هذا التيار من «الريجانيين» والذي يسمى أيضا باسم المحافظين الجدد حادث اقتحام السفارة العراقية في برلين الأسبوع الماضي من جانب مجموعة من المعارضين العراقيين للقول بأنه إذا اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية زمام المبادرة في العراق فإن العديد من جماعات المعارضة العراقية سوف تتبعها.
وبصورة عامة يقيم «الريجانيون» موقفهم على أساس أن التهديد العراقي حاد وحالي وإن الغزو قد يكون سهلا من الناحية العسكرية وأن الكثيرين في الشرق الأوسط لا يريدون صدام حسين في الحكم ربما أكثر من الولايات المتحدة، ولكن اسكوكروفت ومن على شاكلته يقولون إن القصة مختلفة تماما كما يقول ستيفن والت استاذ السياسة الدولية في جامعة هارفارد، ويرى «الريجانيون» أن عليهم إنجاز المهمة التي فشل الجيل السابق في عهد بوش الأب في إنجازها بعد حرب تحرير الكويت.أما المخضرمون في السياسة الأمريكية فيتهمون هؤلاء «الريجانيين» بقصر النظر ونقص الخبرة كما يقول أحدهم فهم لم يرتدوا الزي العسكري حتى يعرفوا ما تعنيه الحرب.
كما قلنا فإن البعض يرى أن التقسيم بين المحافظين والمحافظين الجدد هو تبسيط زائد للأمور ويقترح إيفو دولار استاذ السياسة في معهد بروكنجز تقسيما يقوم على أساس وجود ثلاث مجموعات، المجموعة الأولى تضم الاستعماريين الهجوميين مثل بيرل وولفتز والذين يريدون نشر الديمقراطية بالقوة العسكرية، والمجموعة الثانية تضم الهجوميين الواقعيين مثل وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد الذي يؤكد ضرروة الإطاحة بالرئيس صدام حسين لكنه يؤكد أيضا على ضرورة تحديد المستقبل السياسي للعراق قبل الإقدام على مثل هذه الخطوة، أما المعسكر الثالث فهم الواقعيون الدفاعيون وهم يرون أن الرئيس صدام خطر ولكن أفضل وسيلة للتعامل معه هي الاحتواء، والآن ترى لمن ستكون الغلبة داخل الإدارة الأمريكية بين هذه الرؤى المتصارعة؟
بيتر جرير / كريستيان ساينس مونيتور |