سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ/ خالد المالك وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
إشارةً إلى ما سطره الكاتب القدير/ راشد بن محمد الفوزان عبر جريدتكم الغراء في العدد 10897 وتاريخ 20/5/1423هـ بما عنوانه «وزارة المعارف والمعلمون والمعلمات.. والهدر الاقتصادي».
فإنني عبر هذا المقال أحاول الرد على بعض ما تطرق إليه من نقاط وخاصة «الإجازات والرواتب» مع اعترافي وإيماني الكاملينِ بعدم استطاعتي مجاراة الكاتب بمعلوماته وأسلوبه وخبرته الصحفية والكتابية، ولكن بصفتي أحد منسوبي التعليم، بل أحد المعلمين المعني بهم في هذا الحديث، فإن علمي بما سأذكره قد يكون أصدق وأدق من غيري ممن ليس لهم علاقة بشؤون المعلمين، ومن يكون علمه بالمعلم أو المعلمة من خلال طفله أو طفلته.
عليه فإنني أبدأ بما بدأه الدكتور في مقالته، مع تغيير ما يستحق ذلك فأقول: هناك أصوات من الكتاب والموظفين تتزايد، تطالب بإلحاح من وزارة المعارف وعلى أعلى مستوى وبمختلف وسائل الإعلام بتجريد خصائص المعلم ومميزاته «إن كان له ذلك؟» ولا أعلم سبباً مقنعاً واحداً يبرر لهم ذلك، ولا أظنه من باب الحسد «أقول لا أظنه» مع الأثر القائل «كل ذي نعمةٍ محسود» والمعلم في نعمة، والحمدلله، وليس وحده في ذلك، بل هو أقل «بما يستحق»؟
وأستغرب كثيراً أن سهام الكل على المعلم، وليس من المعلم أي سهمٍ، فلم أجد معلما أثار أموراً تخص غيره، بل غيره يثيرون أمره.
إن ما ذكره الدكتور الفوزان في مقالته عن إجازات المعلمين ورواتبهم وما تمثله من هدر اقتصادي لموارد الدولة، فيه من الغلط الكثير، وبعيد كل البعد عن الواقع المشهود لفئة المعلمين والمعلمات، وكل ما قام به من مقارنة، لا يمثل قاعدة «خذ على قدر ما تعطي»، وإليكم بعضاً مما تطرق إليه مع تفنيد ورد ذلك مقارنة بموظفي الدولة المدنيين «غير المعلمين» عبر النقاط التالية:
أولاً: إجازة السنة الدراسية 1423-1424هـ.
أ/ إجازة عيد الفطر المبارك.. تبدأ من 22-9-1423هـ إلى 10/10/1423هـ
وليعلم الدكتور الكريم أنها نفس إجازة جميع موظفي الدولة وهي «16 يوماً»
ب/إجازة عيد الأضحى المبارك ونصف العام.. وتبدأ من 4-12- 1423هـ إلى 21/12/1423هـ وهي أيضاً إجازة جميع موظفي الدولة وهي «16 يوما»
فمن خلال «أ وب» يكون مجموع الإجازة لجميع موظفي الدولة «معلمين وغيرهم» 32 يوماً فأين الفرق؟.
ج/بداية إجازة نهاية العام الدراسي تبدأ من 25-4-1424ه إلى 25-6- 1424ه، بمعنى «60 يوماً إجازة».. وكما هو معروف نظاماً أن من حق موظف الدولة «غير المعلم» أن يتمتع بإجازة اعتيادية في العام الواحد لمدة «30 يوماً»، بالإضافة إلى «10أيام» إجازة اضطرارية، وفرق بين إجازة الموظف، والمعلم الاضطرارية «شكلاًَ ومضموناً ونظاماً».
فيتضح من «أوب وج» أن الفرق بين عدد أيام إجازة المعلم وغيره من موظفي الدولة «20 يوماً» فقط، ولنجعل الإجازة الاضطرارية جانباً ونقول «30 يوماً» هذا هو الفرق في الإجازة بين ذلك وذاك.
ويستغرب «جداً» الكاتب القدير من عدم الاستفادة من الوقت المهدد لثلاثة أشهر صافية، إجازة بدون راتب، فإنني استغرب «جداًجداً» من هدر شهرين وعشرة أيام صافية إجازة بدون راتب لموظفين أغلبهم في إجازة وهو على رأس العمل.
أما الفرق بين ما يقوم به المعلم طوال العام الدراسي وبين ما يقوم به غيره فالفرق واضح ولامجال للمقارنة.
وبودي من الدكتور الفوزان أن يترجل من مكانته ويمتطي صهوة التعليم «متطوعاً» في المرحلة «الابتدائية أو المتوسطة أو الثانوية، ويستعد أن يكون من الساعة السابعة إلا ربعاً «صباحاً» في فناء المدرسة، مشاركاً في تنظيم الطابور الصباحي، ثم في الساعة السابعة يشرع في الحصة الأولى، ينظم الطلاب داخل الفصل ثم يبدأ في إعداد محتويات الدرس على «السبورة» وبعد ذلك يشرع في شرح الدرس لمدة «45 دقيقة» يكتب تارة ويتكلم تارة، ويكرر أخرى، ويبتسم مرة، ويغضب مرات.. ثم بعد نهاية هذه الحصة يبدأ في أخرى وفي فصلٍ آخر ومع طلاب آخرين «وهكذا دواليك» إلى الساعة الواحدة ظهراً، تتخللها حصة أو حصتا «راحةٍ» يقوم فيها بتصحيح الدفاتر والواجبات.. ولتكن هذه تجربة من الدكتور لمدة أسبوع أو أسبوعين، لاعاماً دراسياً كاملاً، وخلال مدة هذه التجربة سيكون ليوم الأربعاء طعم لايحسن تذوقه إلا المعلمون، مع إضافة الامتحانات الفصلية والنهائية وما يتخللها من تصحيح وتدقيق ومراجعة ومراقبة الخ؟ فهل الفرق في «20 يوماً» إجازة عن غيره، يثير البعض؟ عجبي.
قد يرى البعض من خلال ما كتبت أنني أقصد فقط أن مهنة التعليم مهنة التعب والإرهاق والتضجر والملل، وهذا بعيد عن المقصود، فمهنة التعليم هي أشرف مهنة لمن خاف الله واتقاه، فمع ما تحمله من متاعب ومسؤولية إلا أنها متعة لمن أحسن صنعتها، ولكن أحببت أن أذكر ما يقوم به المعلم وما يعانيه «مما يستحق بذلك ما يقدم له أو بعض ما يستحق من الاجازات».
ثانياً: رواتب المعلمين:
إن ما تقدمه حكومتنا الرشيدة من حوافز مالية لفئة «المعلمين والمعلمات» يمثل الأجر المجزي نسبياً والواقعي لما تستحقه هذه الفئة، مع كون المعلم لا يرفع رأسه إلى غيره لا إلى: القاضي ولا إلى دكتور الجامعة، ولا إلى الضابط، ولا إلى موظف الاتصالات أو الكهرباء ولا إلى، ولا إلى الخ،، أخي الكاتب القدير، المعلم هو أحد موظفي الدولة الذين ليس لهم منح عقارية ولا مستشفيات خاصة حكومية أو خاصة أهلية، ولا انتدابات، ولا خارج دوام ولا غيرها.
وإن ما ذكره الدكتور الفوزان من أن أغلب الشباب يتجهون إلى سلك التعليم لكون مرتباتهم أكثر من غيرهم،، فأقول نعم هذا صحيح من أمرين:
الأمر الأول: أن ما يتوافر من وظائف سنوية لدى وزارة الخدمة المدنية أغلبها تعليمية.
الأمر الثاني: ليس من المعقول أن يتجه أحد خريجي الجامعات إلى وظيفة غير تعليمية بالمرتبة الرابعة أو الثالثة ويترك الوظيفة التعليمية «إن توفرت».. وفي المقابل لو خير خريج الجامعة بين وظيفة بالمرتبة السابعة ووظيفة «معلم»لاختار الأولى بالتأكيد، وبالأصح سيكون الاختيار الأول هو الأغلب في الاتجاه،، ولنرجع إلى بدايات التعليم في المملكة، وكيف أن أغلب خريجي الجامعات لا يتجهون إلى سلك التعليم، مع أن الدولة - وفقها الله - وضعت ما يسمى «بدل تدريس» تحفيزاً وترغيباً للخريجين فيه.
أخي العزيز الدكتور الفوزان، والله إن ما يقوم به المعلم من جهدٍ وصبرٍ وعمل، طوال العام الدراسي لايوازيه أبداً ما يقوم به أغلب موظفي الدولة، فمعاملة أو معاملتان أو ثلاث ينهيها الموظف في اليوم الواحد لاتعادل نصف ساعة يقضيها المعلم بين طلابه، وإن كتابة خطاب أو شرح على عشر معاملات، أو تصوير عدة ورقات، لايوازيها تصحيح المعلم ل عشرة واجبات لعشرة طلاب فقط في اليوم الواحد.
فمن النادر أن تجد معلماً لايتعب، وفي المقابل من النادر أن تجد موظفاً غير مرتاح، ومن الطرائف حقاً في هذا الأمر أن أغلب المعلمين لا يستطيعون قراءة الصحف اليومية إلا في منازلهم، أما غيرهم فيقرأونها بل قد يرمونها من الملل وهم على مكاتبهم، بل إن أغلب المنضمين إلى اشتراكات الصحف هم من المعلمين، لماذا؟ الجواب لدى الدكتور ولدى غيره من محاربي «المعلمين».
وفي ختام مقالتي هذه، أوجه نداءً إلى كل المثقفين والكتاب والصحفيين وغير المعلمين، وأقول لهم كفى هجوماً على المعلم، فقد أشبعتموه ضرباً، وهضمتموه حقاً، وجعلتموه كبشاً، وأبكيتموه قهراً، ومسكين أنت أيها المعلم، فأنت تقول ولا تطول، وغيرك يقول فيك ويطول ويسمعون منه ما يقول ولست المقصود ب «كاد المعلم أن يكون رسولاً»، وبدلاً من أن يعطوك، أخذوا منك ليزدادوا بك ومنك.
عبداللطيف بن محمد المهيني الخرج - ثانوية الملك فهد بالخرج |