Saturday 31th August,200210929العددالسبت 22 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نهارات أخرى نهارات أخرى
المعلمون في الأرض!
فاطمة العتيبي

الذي لم تتعفر أصابعه ببياض الطباشير..
وتتعارك ملابسه مع ذرات الغبار المتطاير من تكرار مسح اللوح وحبات العرق التي تنز داخل جسده وتتفصد تباعاً وهو يرقب الوقت ووجوه التلاميذ.
كلما استبشرت وجوههم فهماً.. كلما هب على قلبه نسيم جميل يشبه النسائم التي يتحدث عنها رجال المال والأعمال في جنيف ونيس وجزر الأحلام التي لم يرها كثير من المعلمين والمعلمات.. برواتبهم العالية التي عنها الكثيرون يتحدثون.
* الذي لم يقطع الطريق الطويل ذهاباً وإياباً باتجاه قرى تتوق لشمس الحياة والنجاح والتفتح والتطلع.. يجلس إلى فصولها البسيطة تلاميذ يتوقون لخطو الحياة والابتهاج بها واضاءة كل المصابيح التي يمكن أن تشتعل في رؤوسهم..
وبين سآمة الطريق وضجيج الأحلام المتطلعة في عيون التلاميذ يكون الفرق بين الانطفاء والاشتعال.
تكون اللحظة التي يستحيل فيها عقل الانسان وجسده إلى متلقٍ ومبرمجٍ، فمتى يستطيع التخلص من ملل الطريق.. ومتى يتمكن من التوحد بالأحلام الضاجة.. وهل لكل حال عباءة هو قادر على ارتدائها في ذات اللحظة..
إن مجرد المحاولة وتتابعها وشحذ الهمة لبلوغ مرحلة اكتمال الشعور العملي والقدرة على العطاء هي مخاض يومي يتشرف فيه معلمو ومعلمات القرى الذين يسافرون وهم يتمنون ان تظل احلامهم شابة وطاقاتهم شابة.. وملامح وجوههم شابة وهم يمنحون الصغار.. أولى حكايات الحياة.
وأبجدية تعاطي الفأل مع الدنيا سعياً لبلوغ ما هو أجمل منها.. وأبقى..
* وحين يتحدث هؤلاء الذين يذهبون الآن الى القرى في هذا الحر الشديد وتتبلل ثيابهم وعباءاتهن بعرق الطريق.. لكي يصلوا إلى نقاط بعيدة من أجل أن يضعوا تأشيرة الحضور ثم لا ينبرون إلى أي عمل آخر.. لأن المدارس صغيرة وبسيطة ومكاتب الاشراف التابعة لها بسيطة وصغيرة ولا دورات ولا أجهزة ولا حلقات ولا غيرها.
حين يقول مثل هذا ويتساءلون..
ما جدوى الذهاب والإياب..
طالما ليس ثمة مبررات.. فهل هم أخطأوا في السؤال.. وهل كان صوتهم معبأً بالاحتجاج على العمل ذاته أم على وضع ليس فيه أي فائدة تعود على العمل..وما البأس من السؤال.. وما البأس من الإقناع!
والحوار.. هو نافذتنا الجديدة التي يلزم أن نؤمن بها.. فلمَ نلوح لهم بالرواتب ونذكرهم بعدد الأيام والاجازات وهل الأعمال تقاس بهذا المنظار الضيق؟!
* لا تقولوا للمعلمين والمعلمات حين يباشرون الدنيا كل ذات صباح ليقولوا لها:
إننا حقاً نعمل.. وإننا حقاً نعطي..
لا تقولوا لهم لا.. أنتم تبالغون.. بل هم صادقون، فهم يعطون.. وهم يعملون..والمخلصون منهم كثيرون.. والمتهاونون سريعاً ما ينكشفون.. وعن إهمالهم يؤوبون، لأن هناك ألف عين ورقيب عليهم.. بدءاً من أعين التلاميذ وانتهاءً بكبير المشرفين.. بينما يعمل الكثيرون في جهات أخرى في إدارات مكيفة.. وأوراق مبعثرة.. وأدراج مغلقة لا تنفتح إلا لماماً ثم يقولون أيها المعلمون إنكم شكَّاءون.. بكاءون وللنعم التي تحيط بكم من كل جانب نكَّارون..
فيا معشر الموظفين في الأرض.. اعلموا أن المعلمين والمعلمات في سباق يومي أعانهم الله عليه وقواهم وشد من عزمهم فهم الذين يعدُّون لنا أبناءنا وكلما أوليناهم احترامنا كلما أعدُّوا لنا أبناءنا كما نريد وكما نخطط.
وإذ نحن في خطو ليس ببعيد عن بدء ضجيج المدارس وعام جديد يفتح مصراعيه على بيوتنا.. دعونا بصدق نحيي كل المعلمين والمعلمات وندعو لهم بتحسن الأحوال وتحقيق الآمال.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved