«القول في أمتنا كثير، والفعل قليل»، عبارةٌ تصوِّر حقيقة المسلمين في هذا الزَّمن، ويا لها من حقيقةٍ مؤلمة، تسوء ولا تَسُرّ، وتُشعرنا بخطورة حالة أمتنا في هذا العصر، أقوالٌ تَفْلِقُ الصَّخْر، ووعودٌ تشرح الصَّدر، ولكنَّ الواقع يحلف أصدق الأيمان، أنَّ الأفعال تخالف الاقوال، وأنَّ تَعَاقُبَ الآلام يحطِّم الآمال.
نقول: نحن أهل المروءة والنخوة، ويحلف رُكام «جِنين» و«غزَّة» و«الخليل» وغيرها من مدن فلسطين الجريحة، أنَّه لا مروءة ولا نخوة.
ونقول: نحن أهل الكلمة الواحدة، والشمل المجتمع، وتحلفُ المذاهبُ والأفكار المتناقضة في أمتنا، أنه لا كلمة واحدة، ولا شمل مجتمع.
أقوال كثيرة، وأفعالٌ قليلة إلا ما كان من الأفعال مخالفاً لجميل الأقوال.
هناك في فترة قاتمة من فترات صراعنا مع العدو الصهيوني قال قائل الأمة المسلمة: سنلقي دولة إسرائيل في البحر، ولولا أنَّ العدوَّ الصهيوني يسير على خُطَطٍ مرسومة محدَّدة المكان والزمان لألقى بذلك القائل الهمام في بحر الظُّلُماتِ الذي لا ترى عين الكون فيه بصيصاً من نور.
وهناك في فترة أخرى قريبةٍ منا قال قائل الأمة المسلمة الآخر: سأحرق إسرائيل، ولكنه أحرق أمته أو كاد، فسبحان ربِّ العباد.
أقوالنا هناك، في أعلى درجات العطاء، وأفعالنا هناك، في أحطِّ درجات الانكفاء، وعدونا يقول ويفعل، لأنه لا يهذر كما نهذر، ويُثَرْثِرُ في الأمور المصيرية كما نُثَرْثِر، ولكنه يطلق قوله القويَّ بعد أن رتَّب فعله القويّ، كم من قائدٍ مسلم في هذا العصر هدَّد الأعداء، فوجدهم إلى تنفيذ تهديدهم الصامت أسرع، لأنهم يأخذون قولَه مأخذ الجدّ، ويبنون عليه خُطط المواجهة التي تتحول بسبب تراخيه وإهماله إلى خُطَط مهاجمة فما يصحو من سكرة قوله إلاَّ على هَيْمنةِ عدوِّه وسيطرته.
قولنا لا يتجاوز اللِّسان، ولهذا فإن فعل أعدائنا يكون أسبق إلينا من صَدَى قولنا، وأقرب إلينا من مَرْمَى سوطنا، أفلا يحق لنا بعد هذا ومعه، أن نرثي لحالنا، ونبكي حال أمتنا ونسأل أنفسنا سؤالاً كبرت مرارتُه، واشتدت حرارتُه: إلى متى هذا؟؟.
يا أمة الإسلام..
لابد أن تعلمي أنَّ كل كلمة تنطقها شفتا أحدٍ من أبنائك، تتلقَّفها مسامع الأعداء بوعي وإصغاء، وتأخذها مأخذ الجدّ، وتبني عليها مواقف لا تجد عقبةً واحدةً في تنفيذها، فيكون حظُّكِ من القول إشباع رغبة الإحساس بقيمة النفس، وخسارة الموقف أمام العدوِّ لعدم متابعة القول بالفعل.
يا أمة الإسلام.. لابد أن تنتقلي من ضجيج الأقوال، إلى سموِّ الأفعال، وتكوني كما كان ابنك البطل أبوبكر الصديق رضي الله عنه حينما قال: والله لأضربنَّ وساوس الرُّوم بخالد بن الوليد وقد فعل وكان ما كان ، ولم يكنْ قولاً عائماً أو ضرباً من الهذيان، ولابد أن تكوني كما قال ابنكِ البطل عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال: رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب، وقد نفّذ ما قال وكان ما كان.
ولابد أن تكوني يا أمة الإسلام كما كان ابنكِ البطل هارون الرشيد الذي قال لنقفور ملك الروم :«الجواب ما تراه لا ما تسمعه»، وقد نفَّذ ما قال، وشتَّان بين كلمة «ما تراه» التي تدلُّ على الفعل، وكلمة «ما تسمعه» التي تدل على القول.
إلى متى تظل الأمة الغالية تعيش مرحلة القول الضعيف، أمام فعل الأعداء العنيف؟؟
إشارة
قلنا ولم نفعل على أعدائنا وعلى أحبّتنا نقول ونَفْعَلُ |
|