Saturday 31th August,200210929العددالسبت 22 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

وضع الاقتصاد الأمريكي «3-3» وضع الاقتصاد الأمريكي «3-3»
الشركات العملاقة تتساقط في نفق الإفلاس والمستثمرون يفقدون الثقة في السوق الأمريكي
الإدارة الأمريكية تعترف بأن معاييرها المحاسبية تسمح بالتضليل
6000 مليار دولار خسائر المستثمرين من فضائح الشركات العملاقة

* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد العجمي:
التلاعب في بيانات كبرى الشركات الأمريكية وإفلاس بعضها ووصول بعضها إلى مرحلة الإفلاس، مؤشرات بالسقوط الأمريكي ففي الخريف الماضي أعلن عن إفلاس شركات انرون العملاقة في مجالات الطاقة، وقد أدين مكتب المحاسبة والمراجعة الأمريكي العالمي «ارثر اندرسون» بتدمير الوثائق والمستندات الخاصة بشركة «انرون» وأعلنت شركة «زيروكس» الرائدة في مجال أجهزة تصوير المستندات انها خفضت ايراداتها بنحو 6مليارات دولار، وذلك بعد قيامها بعملية مراجعة لحساباتها عن السنوات الخمس الأخيرة 1997/2001 واعترفت شركة وورلد كوم ثاني أكبر شركات للاتصالات في العالم بالتحايل لاخفاء نفقات بنحو 8 ،3مليارات دولار مما ترتب عليه ان أصبحت الشركة على شفا الإفلاس وأعلنت عن عزمها التخلص من 17 ألفاً من العاملين لديها أي نحو 21% من إجمالي العاملين في شركاتها في مختلف أنحاء العالم والبالغ 80ألفاً وكذلك أعلن منذ عدة أيام ان شركة «ميراك» العملاقة في مجال صناعة الدواء سجلت حساباتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة ايرادات نحو 12مليار دولار من وحدة للخدمات الصيدلية تابعة لها هي وحدة «ميدكو» على الرغم من ان هذه الوحدة لم تحصل على تلك الأموال قط، وهذا المبلغ يمثل 10% من إجمالي ايرادات الشركة المعلنة خلال السنوات الثلاث (1999-2001) والبالغة 125مليار دولار، أما شركة «جنرال موتورز» العملاقة في مجال انتاج السيارات فقد ترددت شائعات تشير إلى انها تواجه مشكلات محاسبية، وعلى الرغم من نفي الشركة لذلك إلا ان سعر السهم هبط بنحو 2% ليصل إلى 52 دولاراً وهذا التلاعب في بيانات بعض الشركات الأمريكية المتمثلة في تقليل النفقات الحقيقية، وتضخيم الايرادات الحقيقية، ومن ثم إظهار أرباح وهمية يستفيد منها مديرو هذه الشركات في تضخم مكافأتهم السنوية ومكافآت نهاية الخدمة.
المفهوم الخاطئ:
يقول الدكتور علي لطفي رئيس الوزراء المصري السابق ان هناك ظروفاً سمحت للشركات ومكاتب المحاسبة والمراجعة بالتلاعب في البيانات المالية للشركات منها الفهم الخاطئ للاقتصاد الحر الذي طبقته الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة حيث ضعفت إلى حد كبير نظم الرقابة الحكومية الفعالة في المجال المالي وتحت دعوى تحرير الشركات من القيود التي تعطلها وتعوق سرعة تقدمها لمواجهة المنافسة العالمية لاسيما بعد توقيع اتفاقية الجات الجديدة عام 1994 إلى جانب الدور الخطير الذي قامت به بعض مكاتب المحاسبة والمراجعة في الولايات المتحدة وبصفة خاصة ما لجأت إليه من أساليب ملتوية للالتفاف حول قواعد الشفافية والمكاشفة وبالإضافة إلى التقارير غير الدقيقة التي نشرتها بعض بيوت السمسرة، ومكاتب التحليل المالي عن شركات معنية، واعطائها درجات تقويم أكثر مما تستحق حيث ان كبار العاملين في هذه المكاتب يستثمرون أموالهم في هذه الشركات ومن ثم يحققون أرباحاً خيالية.. وكذلك القرارات المحفوفة بالمخاطر التي اتخذها مديرو هذه الشركات بهدف تضخيم الأرباح.
فقدان الثقة:
ويضيف الدكتور علي لطفي ان لهذا الفساد المالي للشركات والمؤسسات الأمريكية آثاره الخطيرة حيث انخفض سعر الدولار أمام العملات الأجنبية فمنذ بداية العام الحالي انخفض الدولار بنحو 12% أمام اليورو، وانخفض 6% أمام الجنيه الاسترليني وبالنسبة نفسها أمام الين الياباني، وتراجعت بشكل حاد أسعار الأوراق المالية في بورصة «وول ستريت» وغيرها من أسواق المال الأمريكية، وفقد المستثمرون ثقتهم في الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب اتجاه معدلات البطالة نحو التزايد بسبب افلاس بعض الشركات وتقليص حجم الاعمال في البعض الآخر، فقد ارتفعت البطالة في أمريكا في شهر مايو 2002 إلى 6% لتسجيل أعلى مستوى لها منذ أكثر من سبع سنوات إلى جانب ان الكثير من البنوك المركزية بدأت تعيد النظر في اقتناء المعدن الأصفر «الذهب» إلى خزائنها كاحتياطي بعد التخلي عن هذه السياسة في السبعينيات من القرن الماضي حيث قام كثير من البنوك المركزية ببيع احتياطياتها من الذهب بعد ان فقد بريقه كمستودع للقيمة.. ويوضح ان هذا الفساد سيؤثر في الاقتصاد العالمي حيث ان الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد الأمريكي يمثل وحدة نحو ربع الناتج الاجمالي العالمي، كما تمثل التجارة الخارجية لأمريكا 20% من التجارة العالمية.. مشيراً إلى ضرورة الاستفادة من هذه الدروس في زيادة فعالية دور الحكومة في فرض الرقابة والانضباط والشفافية والمصداقية على الأسواق المالية، وكذلك ضرورة التصدي السريع بحزم لأي فساد أو خلل مالي ومراقبة شروط المنافسة الحرة الشريفة في الأسواق إلى جانب ضرورة إصدار قوانين حماية المنافسة ومنع الاحتكار وقانون البنوك الموحدة وتعديلات قانون هيئة سوق المال في بعض البلاد العربية.
الدقة والشفافية:
وحول السبب الرئيسي لهذه المخالفات يقول حازم حسن رئيس جمعية المحاسبين والمراجعين الماليين انه يكمن في التطور الذي بلغته تعاملات أسواق المال وتعقدها واتساعها في الوقت الذي كان التطور أقل بكثير في الأساليب المحاسبية، وطرق اعداد القوائم المالية سواء تلك التي تقوم بها إدارات الشركات أو مكاتب المحاسبة التي تتولى المراجعة القانونية لهذه القوائم لضمان الدقة والشفافية موضحا انه من الطبيعي ان تبدأ الأزمة في السوق الأمريكي ليس فقط كونها الأضخم عالمياً، ولكن أيضا بسبب الاهتمام المبالغ فيه من المستثمرين في هذه السوق برصد أرباح الشركات التي يتم تداول أسهمها في البورصة كمؤشر أساسي، وربما وحيد على جاذبية السهم للشراء، وهذا بالطبع يخالف القواعد الاقتصادية حيث ان هناك عدداً من المؤشرات التي ينبغي الاعتناء بها عند اتخاذ قرار شراء سهم، وقد أدى ذلك بمديري الشركات العاملة، والقائمين عليها بغية دعم موقف أسهم الشركات في البورصة إلى العمل بكل السبل لزيادة الأرباح الموزعة، وتضخيمها وصل في بعض الحالات إلى ارتكاب أعمال الخداع والتضليل في إعداد القوائم المالية التي تعد وتوزع بصفة دورية ضمن أعمال مبدأ الافصاح الذي يعد أهم مبادئ التعامل في أسواق المال وأكثره حيوية للمستثمر والاقتصاد الكلي معاً، وحدث ان انحرفت بعض مؤسسات المحاسبة المعروفة بمكانتها الدولية للأسف إلى هذه الحيل عن طريق مجاراة الشركات التي تتم مراقبتها وغض الطرف عن الشوائب التي ظهرت بوضوح في القوائم المالية التي تعدها باستخدام الاحتيال والخداع في استيفاء الشكل عند تطبيق المعايير المحاسبية دون الالتفات إلى المضمون وهذا هو أساس ماجرى في الشركات التي انهارت أخيراً.
ردة أخلاقية:
السفير جمال بيومي الأمين العام لاتحاد المستثمرين العرب يرى ان ماحدث هو ردة أخلاقية في مهنة المحاسبة أدت إلى ظهور حالات متعددة من الافلاس في بعض الشركات وشركات أخرى على وشك الإفلاس وقد حذر الرئيس الأمريكي الراحل «ايزن هور» في خطبة الوداع للرئاسة من سيطرة وتأثير الصناعة الكبرى والمؤسسات العملاقة في صناعة القرار في أمريكا، فنحن نجد ان الحزب الجمهوري يساند المؤسسات الكبرى أما الديمقراطيون فأقرب للطبقات الصغيرة، والتوجه الحزبي يؤثر في القرار الوطني.. ويضيف ان خسائر المستثمرين من غش الشركات تبلغ حوالي 6000 مليار دولار، والاستثمارات العربية في أمريكا ستتأثر بهذه الردة الأخلاقية، وستمر بمرحلة ترقب لأداء السوق فإذا استمرت المحاسبات غير الأخلاقية وافلاس الشركات فسوف تنسحب إلى دول أخرى، أما إذا صحح السوق الأمريكي من نفسه فسوف تستمر هذه الأموال محاولة إعادة الخسائر التي حققتها في الأيام الماضية، ويشير إلى ان هناك تحفظاً على عودة الاستثمارات العربية بسبب الأزمات التي تلحق بالاقتصاد الأمريكي، فإلى أين تذهب هذه الاستثمارات؟ فهل اتحنا أوعية تستوعب هذه المدخرات؟ الإجابة بالنفي، وفي هذا الشأن لي رؤية هو ان المستثمر العربي في الخارج مواطن شريف كان يقصد الاستفادة بأمواله ولو وجد في السوق العربي السهولة واليسر لما تردد في الاستثمار، فإذا قررنا عودة 100 مليار دولار كمثال من الأموال المستثمرة في الخارج، فلاتوجد المشروعات التي تستثمر هذا الرقم، ولا سوق المال الذي يستوعب ذلك، ولا المناخ الاستثماري الأفضل.
المملكة أكبر مستثمر:
وقال إن الاستثمار البيني العربي أقل من الطموحات فنحو 5 ،4% فقط من إجمالي الاستثمارات العربية تستثمر داخل المنطقة العربية والبالغة نحو 40مليار دولار، وهي نسبة ضئيلة لكنها تعتبر أكبر نسبة استثمارات في البلدان العربية، وأكبر مستثمر في المنطقة العربية هي المملكة العربية السعودية والتي تعد أكبر مستثمر في مصر أيضاً، في حين ان أكثر من 900 مليار دولار مستثمرة في الخارج حيث توافر المناخ الاستثمار وأسواق المال التي تستوعب هذا الرقم لهذا يجب تطوير وتكامل العالم العربي في بورصة وأسواق مال موحدة واندماج المصارف وتهيئة المناخ الاستثماري.
ويشير السفير جمال بيومي إلى انه لايتوقع عودة واسعة للاستثمارات العربية إلى المنطقة لان ذلك يتوقف على قدرة البلاد العربية على استقبال الأموال وتحسين المناخ.
السقوط من فوق العرش:
ويتوقع أحد الخبراء الاقتصاديين تزايد حالات الافلاس بين الشركات الأمريكية مما يهدد أمريكا بالسقوط من فوق عرش العالم خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر والفساد المالي الذي أصاب السوق الأمريكي بعدم الثقة ويشير إلى ان أفضل التوقعات تفاؤلاً ان عشرات الشركات الأمريكية في طريقها لاجراء عملية تظهر بالاعلان طوعياً عن ارتكابها مخالفات محاسبية في اعداد قوائمها المالية، وانها بصدد مراجعة هذه الممارسات والكف عنها على غرار ما بدأته شركتا زيروكس وميرك.. وأضاف ان الفضائح القت بظلالها الكثيفة خارج الولايات المتحدة الأمريكية حيث أصبح الحديث عن مشكلات المراجعة المالية لقوائم الشركات هو الشغل الشاغل للإدارات الاقتصادية وتجمعات رجال الأعمال في أوروبا ودول الشرق الأقصى وأمريكا اللاتينية خاصة إن كثيرا من الشركات الأمريكية محل الشك تعمل بنشاط في أسواق هذه الدول وتلتزم بمعايير المحاسبة الأمريكية التي اعترفت الإدارة الأمريكية نفسها إنها تسمح بالتضليل والتي تعد أقل صرامة من معايير المحاسبة الدولية التي تلتزم بها معظم دول العالم.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved