دائماً ما يواجه الشباب نصيحة مؤداها: أن يأخذوا بحكمة الشيوخ في الهدوء والاتزان والتروي والتعقل، والبعد عن الاندفاع والسرعة في اتخاذ القرارات.
وهذه بلا شك تُعتبر فضيلة في بعض الأحوال، غير أنها ليست كذلك بالضرورة في كل الأحوال.
فالسرعة في اتخاذ القرار، ومواكبة الزمن، والاهتمام بعنصر الوقت، قد تكون في أحايين كثيرة سبباً لا يمكن تجاوزه في حل بعض القضايا التي تواجه الإنسان، بالشكل والمضمون الذي يجعل من التروي والتفكير والتأمل الذي يأخذ من الزمن قدراً طويلاً، أمراً قد يُفوّت الفرصة على الحل، أي حل، ويجعل القضية، مع مرور الزمن، تتفاقم، وتكون في النهاية بمثابة المرض المستعصي على أي علاج.
والحياة اليوم في اعتقادي تحتاج في مواجهة الكثير من قضاياها إلى اندفاع ومغامرة الشباب، أكثر من حاجتها إلى الاعتدال المسرف، والتبصر البعيد، والتعقل الجامد الذي لا يقيم لعنصر الوقت ما يُفترض من أهمية، كما هو ديدن كبار السن في الغالب. فالزمن اليوم لا يرحم. وعدم أخذه في الحسبان، والإفراط في تهميشه، تحت أية حجة، قد تكون له مردودات وخيمة وسلبية على أي قرار في النهاية.
وفي رأيي أننا قد أسرفنا في نصح الشباب بأن يأخذوا بحكمة الشيوخ، وقد آن لنا، بحكم روح العصر، وتسارع إيقاع زمنه، أن ننصح الشيوخ أن يأخذوا بحيوية ونشاط الشباب. وأن يتأكدوا من حقيقة أن «المغامرة» أحياناً هي حتماً لا يمكن الفرار منها. ولا يهم أن تكون هذه المغامرة مأمونة الجوانب تماماً، بقدر ما يجب أن تكون «محسوبة» إلى الحد الذي يقلل من ردود فعلها السلبية ما أمكن ذلك.
أما الخوف من المواجهة خشية من السلبيات، فهو ضرب من ضروب التردد، الذي هو آفة وعلة كل صانع قرار فاشل.
والشباب والشيخوخة، في تقديري، لا علاقة لهما بالسن وعمر الإنسان بقدر علاقتهما بالروح، والشعور من الداخل بالقدرة على العمل والنشاط. فكثيراً ما يواجهنا رجال أسناء هم في حيويتهم ونشاطهم ومثابرتهم على العمل، وممارستهم للحياة، وشعورهم بأهمية الزمن، أفضل وبكثير من الشباب.
وفي المقابل فإن هناك من الشباب من هم شيوخ في ترددهم وحركتهم وتفكيرهم وبطئهم في اتخاذ القرار، والتعامل مع عنصر الزمان، بالشكل الذي يجعلهم أقرب إلى ظاهرة الشيخوخة في حياتهم وممارساتهم ممن يكبرونهم سناً.
ويخطىء من يظن، شيباً أو شباباً، أن ترك الحبل على غارب الزمن الآتي قد يكون كفيلاً أحياناً بحل بعض المشاكل.
ليس الأمر كذلك بكل تأكيد، فطالما أننا لا نملك التحكم في الزمن، ولا في ظروفه، ولا في توجهات رياحه، يصبح الرهان عليه كحل «مقامرة»، من شأنها أيضاً بعثرة الحلول تماماً، الجيد منها والضعيف على السواء.
في حين أن اعتماد أي حل مهما كان ضعيفاً هو في تقديري أفضل من أن نترك الأمور دونما حلول، أملاً في أن يأتي لنا الزمن القادم بحلول أفضل، ولستُ في حاجة لإثبات أن عصفوراً في اليد، حتى وإن كان ضعيفاً أو هزيلاً، هو بكل تأكيد أجدى من انتظار عشرة عصافير لا يملك إلا الحظ وحده التحكم في قدومها.
|