وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لها من اسمها الكبير واقع
أكبر خصوصاً وهي بيد أمينة تحمل الإخلاص والثقة مثل ما تحمل من الطموح والتطوير. نعلم أنها مسؤولية وطنية وتركة مثقلة تحتاج من معالي الوزير السعي بإخلاص في تسهيل أمور الشباب العملية والاجتماعية، فهم في أعناقكم وفي ذمتكم وسوف يسألكم ويحاسبكم التاريخ عنهم كما سيسجل لكم بأحرف من نور كل ما تقدمونه لهؤلاء الشباب فالتاريخ صادق صريح لا يرحم، فأنتم تسلمتم الوزارة وفي ذهنكم التكليف والعمل وسيسجل لكم التاريخ اخلاصكم وعملكم الدؤوب الذي نعلمه، ورغبتكم في تطوير الشباب وتهيئة الفرص العملية لهم.
أرجو أن يسمح لي معالي الوزير بعرض نموذج أو قصة حصلت لشاب من الشباب في الثانوية كمستوى دراسي. هذا الشاب هو ابني الذي لديه الهواية الكبيرة والرغبة الجامحة في مجال (الفك والتركيب) مع أنه في الجانب النظري في دراسته في مقدمة الطلاب لكنه - مثل بقية - الشباب لديه طاقات كامنة ومهارات تحتاج إلى رجل العمل والشؤون الاجتماعية لتهيئة الفرصة المناسبة ليثيرها من مكانها ويستحثها على الظهور والإبداع لتأخذ مكانها الصحيح في موطنها الغالي الكبير.. فكم من خريج يحمل الشهادات العالية وهو لايزال أمّياً أمام ما بين يديه من أجهزة ومعدات. فلم تعد - في هذا الزمان الصناعي المتقدم - الأمية حكراً على أمية الحرف بل هي أمية الحاسب الآلي وأمية الأجهزة الآلية.. فهل يعلم الخريج أبسط قواعد دورة الكهرباء في السيارة أو المنزل؟ وهل يعلم الخريج أبسط القواعد الميكانيكية التي تحرك الجهاز مثل السيارة والطابعة؟ بل قد يبلغ الجهل به عدم معرفته بربط المسمار أهو من اليمين أو اليسار (فيا للجهالة في عالم التقدم العلمي والصناعي..؟) وهل يعلم الخريج صاحب الشهادة أبسط مبادىء دورة المياه والسباكة؟ فقد تضيع حيلته لو انكسر لديه صنبور. أين مبادىء التعليم الفني في المناهج؟ أم أننا لم نشبع بعد من الفلسفات التي نجترها من وقت لآخر، ولم نتخم بعد من الحشو والنظريات التي لا تقبل التطبيق وبذلك لم نفتح باباً للمعرفة الآلية وأسرار الصناعة وبالتالي نهدر نشاط الشباب وإبداعاتهم فيما تنكب علينا مصنوعات وإبداعات الآخرين ونرضى بفتاتهم، ونلوك ونعجن مصنوعاتهم ونحن لا نزال نحشو أذهاننا بالمعلومات السطحية والنظريات الفجة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا نزال نحشو جيوبنا بالمادة التي بدلاً من أن نستثمرها في شراء المعرفة أهدرناها في استيراد الآلة التي لا نحسن تركيبها!
هذا شابٌّ صاحب هواية ورغبة في مجال الفك والتركيب ولديه الاستعداد الكامل لتمضية جل وقته في تعلم الميكانيكا وخصوصاً ميكانيكا السيارات في الإجازات وقد سألنا عن إمكانية التدريب وقت الصيف لعشقه هذا المجال واستغلالاً لوقت الفراغ بما يثمر، فلم أبتعد كثيراً في التفكير في المكان المناسب والجهة الحكومية المكلفة برعاية مثل هؤلاء الذين لديهم الاشتياق والموهبة الفنية خصوصاً وأن البلد في أمس الحاجة اليهم، حتى اعتقدت جازماً - أنني وضعت يدي على الجهاز المناسب حينما بشرته بتحقيق أمله.. ! فهذا هو الجهاز الكبير المتخصص (المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني).. ولكن يا لخيبة الأمل ويا لضياع وتبدد الطموح حينما اتصل هذا الشاب بالهواتف التي ترن ولا ترد، ولكن حماسه لم يجعله ييأس فذهب مباشرة الى مركز التدريب المهني الذي لم يقابل فيه سوى الحارس الذي رده على أعقابه خائباً حيث لا دورات صيفية ولا يحزنون؟! وهنا يتفطر المواطن ألماً حينما يعلم حاجة البلد لمثل هؤلاء الشباب وبجانبهم المعدات والآلات والمكان المغلق ولعل السبب في ذلك - مثل كل الشماعات الأخرى - هو قلة حيلة الميزانية. لكن هذا السبب ينهار ويتهاوى أمام فكر المسؤول المخلص وبحلول منطقية. ومن تلك الحلول التي أراها: قيام المؤسسة بالإعلان عن الأنشطة الصيفية المهنية والفنية، الإعلان عن ذلك في المدارس الثانوية والإعدادية وحتى الجامعية بوقت كاف قبيل الامتحانات مع شرح مبسط لهذه الدورات ورسوم التسجيل التي تغطي مكافأة المدربين وبذلك نقضي على تعطل الشباب وتعطل الأجهزة ونمنح للموهبة فرصة بأن تتفتق.
أمل ورجاء في أن تدرس إمكانية ذلك نهوضاً بعقول الشباب وإمكانياتهم ونهوضاً بالبلد، ولعل مثل هذه الدورات الصيفية تفتح أبواباً مغلقة في عقول وأذهان الشباب العاطل فينخرطون فيما يستهويهم وربما يبدعون ويكونون نواة لمستقبل علمي صناعي أفضل حتى يأتي اليوم الذي نفخر بهم وهم يزيحون الاتكاء على الغير بتحقيقهم الاكتفاء الذاتي والله ولي التوفيق.
الرياض: 11583 /ص.ب: 53418 |