Sunday 25th August,200210916العددالأحد 16 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

رحم الله عميد الصحوة الإسلامية المعتدلة رحم الله عميد الصحوة الإسلامية المعتدلة
د. خليل بن عبدالله الخليل

رحل الدكتور مانع بن حماد الجهني أمين عام «الندوة العالمية للشباب الإسلامي» بالرياض وعضو «مجلس الشورى» بالمملكة العربية السعودية إلى الدار الآخرة، على إثر حادث مروري مؤسف، رحل إلى الدار الآخرة.. ومشاعر الحزن العميق وصادق الدعوات المتواصلة تغمره.
رحل الدكتور مانع الإنسان والداعية والباحث والمترجم والمحاضر والمبشر والأستاذ. إنه نموذج للمسلم العفوي الطيب، والداعية الصادق الناجح المؤثر والمتنوِّر الصابر المتفائل.
استطاع أن يتعامل ويتعاون مع العلماء والدعاة الرسميين، واستطاع أن يتعامل ويتعاون مع زعماء الصحوة الإسلامية المعاصرة في مشارق العالم ومغاربه.. بدون أن يتحرج أو يتصنَّع أو يتناقض. لماذا يا ترى؟ لأنه كان «إنساناً حقيقياً» لا يتقمص شخصيات معينة ولا يتصنَّع المواقف المرغوبة ولا يتهرب عن إيضاح الحق وإظهار الحقيقة.
لقد عرفت الدكتور مانع - رحمه الله- في منتزه على بحيرة بسانتاباربرا بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979م. كنت جديداً على الحياة الأمريكية حيث كان ابتعاثي في 5 إبريل من ذلك العام الذي التقيته فيه، وكان هناك إجازة عامة في أمريكا ضمن الإجازات التي يصل تعدادها إلى «18» بسبب مناسبات وأحداث دينية وسياسية واجتماعية مختلفة. وكان هناك مخيَّم لاتحاد الطلبة المسلمين في سانتاباربرا.. عرفني به ودعاني إليه أحد الطلبة الطيبين الليبيين.
شاركت في ذلك الملتقى المفتوح الذي شارك فيه قرابة 40 عائلة. كان من المملكة خمس عوائل من عوائل الطلاب الجدد الذين كانوا مثلي وجدوا في الحضور فرصة للنزهة والتعويض عن الحياة التقليدية التي افتقدوها عندما عبروا المحيطات.
كان الدكتور مانع -رحمه الله- طالباً يحضِّر شهادة الدكتوراه وقد جاء من مدينته بلمنقتن في ولاية انديانا ليشارك بإلقاء محاضرة على الأخوات OUR SISTERS منذ ذلك اليوم وأنا ألتقي به في الملتقيات والمؤتمرات الإسلامية، وكان «مميزاً» بحكم سنه وعلمه ووقاره ورأيه وحيويته وانفتاحه.
من مقومات شخصيته أنه إذا كان -رحمه الله- مع الباكستانيين حسبته واحداً منهم، وإذا كان مع الكويتيين حسبته واحداً منهم، وإذا كان مع الفلسطينيين حسبته واحداً منهم، وإذا كان مع السودانيين حسبته واحداً منهم، وان كل طرف يود أن يحضر «الشيخ مانع» لملتقياته وندواته بالرغم من التنافر أحياناً بين المنظمات الطلابية إلا أنه كان محبوباً مقبولاً من الجميع.
عاد الدكتور مانع للعمل في جامعة الملك سعود، واستمر في حيويته وأريحيته، واهتم -رحمه الله- «بالكتاب».. فشارك في أعمال علمية جليلة ويمكن القول - بدون مبالغة- إن مؤلفاته - بلغات مختلفة- منتشرة في كل مكان من أطراف العالم.
مسائل علمية مبسطة وكتيبات نافعة، ورسائل دعوية مختصرة، وموسوعة علمية موثقة، مع المشاركة في لجنة رسمية وعلمية بتكليف من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمهما الله- الذي كان يحبه لمراجعة ترجمة يوسف علي - رحمه الله- المنتشرة في العالم للقرآن الكريم باللغة الإنجليزية.
كان - رحمه الله- دؤوباً في الدعوة والتأليف... يحب المشاركة في اللقاءات الدعوية داخل المملكة وخارجها. لاحظ أحبابه وعارفوه أنه لم يكن يفقد أريحيته وابتسامته في جميع المواقف، وكان -رحمه الله- «توفيقياً» موفقاً يسمح لمن يعمل معه بالمشاركة في صناعة القرار وتحمُّل المسؤولية.. لبذل الجهد وللرضا والمشاركة.
استطاع الفقيد - رحمه الله- أن يقود سفينة «الندوة» بحكمة، وما أحسن ما سمعت من فضيلة الشيخ متعب الطيار- حفظه الله- عندما ألقى موعظة إبان الدفن في المقبرة حينما قال: «نسأل الله أن يخلف علينا وعليكم فقيد الدعوة والندوة» نعم إنه فقيد «الدعوة» التي تشرَّب بها وشرَّفها وفقيد «الندوة» التي قادها وحملها وحماها بعلمه وحكمته وعلاقاته.
لقد استطاع الداعية الراحل بعفويته ومصداقيته أن يرسم خطى «الندوة العالمية للشباب الإسلامي» وأن يوجه برامجها ولقاءاتها بنزاهة وحيادية.. لتحقيق ما تأسست له من أهداف سامية يأتي في طليعتها الحفاظ على الشباب المسلم وتحبيبهم للإيمان، وتربيتهم على السنة والقرآن، وترسيخ مبدأ الأخوة فيما بينهم، ومد جسور التواصل مع التجمعات والحركات الإسلامية.. للتناصح والتفاهم والتعاون والتكامل.
وكان -رحمه الله- موفقاً مسدداً مباركاً، لأنه كان يدرك متطلبات الدعوة، ويتحلى بأخلاقها، ويتعاون مع طواقمها وتجمعاتها، وكان يحمل -رحمه الله- همومها في كل مكان بعلم وصدق ومتابعة.
لذا لم تتزعزع مكانة «الندوة العالمية» في داخل المملكة ولا في خارجها بالرغم من مرور بعض الأزمات مثل حرب الخليج الثانية عام 1990م والتي قسَّمت العرب والمسلمين على المستويين الرسمي والشعبي، ومثل ما حصل للشباب المتحمس بإخلاص في المملكة إبان التجاذب بين الحكومة وبين قيادات الصحوة على إثر استقدام قوات «التحالف» لتحرير الكويت.. وما انبنى على إثر ذلك من تبعات، ومثل ما حدث ويحدث للكثير من المنظمات الخيرية والدعوية بعد أحداث 11 سبتمبر من عام 2001م في أمريكا وما تلا ذلك من حروب وانتكاسات ومزايدات.
كان الدكتور مانع - رحمه الله- محل «ثقة» قيادات الدولة، وكان -رحمه الله- محل «ثقة» قيادات الدعوة.. مما أسهم في أداء «الندوة» لرسالتها التي تتلخص في خدمة الشباب الإسلامي في العالم.. ليس ذلك فحسب، وإنما استطاع - رحمه الله- أن يرسخ ذلك «المبدأ» ألا وهو أهمية «بناء الثقة» بين الدعاة والقيادات، كما أنه استطاع أن ينقل للعالم رسالة المملكة العربية السعودية الدينية الصحيحة المعتدلة وأن يكسب أصدقاء لدولته وأن يصحح الصورة المشوهة عند الكثيرين من أبناء العالم الإسلامي عن المملكة. أسهم الدكتور مانع - رحمه الله- في مد رواق العقيدة الصحيحة فكان - رحمه الله- «سلفي» المعتقد وكان حريصاً على معرفة آراء وتوجهات علماء المملكة وكان يحمل لهم مشاعر الحب والثقة، وكان منفتح العقل يغري بأخلاقه سامعيه.. ثم هو بطبيعته رجل محافظ متواضع لا يحب «المزايدات» ولا يميل إلى «النقاشات» العقيمة، ولا يحب أن «يتدخل» في المسائل الخلافية التي تشتعل بين فينة وأخرى بين حركة إسلامية وحركة، أو داخل بعض الحركات الإسلامية.. لأنه كان يدرك - رحمه الله- أن تلك «الموجات» الفكرية و «المناقشات» العقيمة نوع من أنواع الأمراض المنتشرة في جسم الدعوة الإسلامية المعاصرة.. فاختار - رحمه الله- أن يكون جزءاً من الحل لا جزءاً من المشكلة!!
رحل الباحث الداعية د. مانع الجهني مغموراً بالحزن والدعوات المخلصة، وإنني لأشهد.. ومعي الكثير من أهل الرأي والعلم والدعوة: أنه كان «رمزاً» للاعتدال في صفوف الصحوة الإسلامية المعاصرة، ولقد لاحظت في مسجد الشيخ سليمان الراجحي بعد الصلاة عليه -رحمه الله- وأثناء مراسيم الدفن المئات من الشباب وقد ارتسمت على وجوههم «علائم الحزن» واغرورقت عيونهم بالدموع، وكانوا من ديار ودول وأقاليم مختلفة، وأعمارهم مختلفة، ومهنهم مختلفة، وكان كل واحد منهم يعزي الآخر فيه، وكل واحد يحس أنه فقد عزيزاً عليه.. يعتبره من أهله القريبين إلى نفسه.
عدت إلى القبر للوداع بعد أن بدأ المشيعون بالمغادرة، فرأيت مشهداً يدل على الخير إن شاء الله رأيت بعض من تظهر عليهم سمات الخير والصلاح من دول مختلفة: من مصر والسودان والباكستان وغيرها منهم الواقف ومنهم الجالس على حافة القبر.. يمطرونه بالدموع من عيونهم في حزن واخبات ودعاء وإجلال. وقفت أتلو بعض الآيات وادعو بما يسر الله من الدعوات.. ثم بقيت لحظات، وأنا أقول هنيئاً لمن كانت خاتمته مثل تلك الخاتمة الطيبة كما نرجو، وتذكرت ما قاله الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه كما جاء في الحديث الصحيح: «أنتم شهود الله في أرضه» وان أولئك الأخيار الذين أقاموا على القبر من أجناس وأعمار مختلفة بدون صلة قرابة أو مصالح دنيا فانية لبشرى عاجلة لأهله ومحبيه.
رحم الله الفقيد وأفسح له أبواب جناته، ولا يسعنا مع الصبر والاحتساب والتهيؤ لمثل ذلك اليوم.. إلا أن نقول {إنَّا لٌلَّهٌ وّإنَّا إلّيًهٌ رّاجٌعٍونّ}

فاكس: 2787227

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved