Thursday 22nd August,200210920العددالخميس 13 ,جمادى الثانية 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

فضائح الأمم المتحدة في البلقان..!! فضائح الأمم المتحدة في البلقان..!!
زياد الصالح

ثلاث سنوات منذ نهاية الحرب في كوسوفو وسبع سنين على نهايتها في البوسنة، فماذا حقق المجتمع الدولي من الوعود التي قطعها على نفسه هناك؟ هل استتب الأمن والاستقرار وهل عاد اللاجئون إلى ديارهم؟ وهل رُدت الحقوق أو بعضها إلى أصحابها؟ أم أن وعود المجتمع الدولي بإعادة البناء والاستقرار وبضخ ملايين الدولارات التي صحبتها ضجة إعلامية كبيرة ما هي إلا جعجعة في فنجان ومسرحية للضحك على ذقون الضعفاء تكررت في البوسنة وكوسوفو ومقدونيا وصربيا وأفغانستان؟
بعد ثلاث سنوات من انتهاء الحرب في كوسوفو، تواجه منظمة الأمم المتحدة انتقادات بالفشل في مهمتها في هذا الإقليم إثر سماحها لمسار الانقسام في التحقق على أرض الواقع، ففي تقرير لمجموعة الأزمات الدولية جاء فيه أن الأمم المتحدة سمحت لحكومة بلغراد بالسيطرة على مناطق تجمع الصرب في كوسوفو، في حين يعيش الشطر الثاني منه والذي يقطنه الألبان في حالة لا هي استقلال ولا هي تابعة لجمهورية صربيا كما كان من قبل، وهو الأمر الذي أدى إلى تقسيم الإقليم إلى شكل معقد، فمن جهة يعطي حقاً للصرب في التمتع بالانضمام إلى دولتهم الأم وإن كان ذلك بشكل غير معلن، ومن جهة أخرى يمنع الألبان من تحقيق السيادة والاستقلال أو الانضمام إلى ألبانيا دولتهم الأم، وضرب التقرير مثلاً بمنطقة «ميتروفيتسا» التي انشطرت إلى قسم شمال نهر «ايبار» يقطنه الصرب وآخر جنوبه للألبان، وسمحت المفوضية الدولية للشطر الصربي من المدينة بتشكيل قوات أمن خاصة به لحمايته، وقال التقرير ان تلك القوة الأمنية يتم السيطرة عليها وإدارتها سرياً من قبل الأمن السري لبلغراد.
وفي هذه الوضعية وجد الألبان المسلمون أنفسهم ضحية لمصالح الدول الكبرى في المنطقة وحلفائها من الصرب، وبالرغم من كونهم يشكلون الأغلبية في الإقليم فإن مصيرهم سيكون مثل مصير جيرانهم البوشناق المسلمين، فلا يسمح لهم بالتمتع بحق السيادة وتكوين دولتهم كما سمح لصرب البوسنة، ولا يمنحون حق الانضمام إلى الدولة الأم كما سمح لصرب الإقليم شمالاً، ولا يتم التفكير أو التطرق لمسألة عودة 000 ،200 ألباني إلى ديارهم والذين سيكون مصيرهم كمصير مليون ونصف مليون بوسني لم يعودوا ولم يفكر أحد من المجتمع الدولي في شأن عودتهم، وفي ظل تواجد إدارة الأمم المتحدة في كوسوفو لم تنته معاناة الألبان من المجازر التي تلاحقهم من حين إلى آخر، والتي كان آخرها في شهر يونيو الماضي عندما تعرضت عائلة بأكملها في قرية «غلوغوفاتس/ Glgovac» إلى مجزرة رهيبة من قبل الصرب راح ضحيتها أفراد تلك العائلة كلهم.
وفي الوقت الذي كانت فيه المفوضية الدولية في السنوات الماضية في البوسنة تقيم الدنيا ولا تقعدها بسبب قضايا الفساد التي ادعتها ضد حزب العمل الديمقراطي المسلم، وهددت بقطع المساعدات عن البوسنة إذا لم يتم إزاحة معظم رموز ذلك الحزب، حتى تمكنت من إزاحته عن الحكم وشوهت صورته، هاهي الأحداث المتسارعة تكشف لنا حقيقة تلك البعثات وأهمها الشرطة الدولية التي جاءت لإصلاح الوضع وتهيئة الأمن وتدريب الشرطة البوسنية على حماية المواطن والدفاع عن حقوقه، لتتورط هي ذاتها في سلسلة من فضائح الفساد والرشوة والرذيلة، فكما أشارت صحيفة «Washington Post» فقد أدينت تلك الشرطة بتهم كثيرة منها التلاعب والفساد والتورط في قضايا جنسية مما جعلها تعيد الكثير من هؤلاء المتورطين إلى بلادهم دون تحقيق، وقد حظيت أمريكا بالنصيب الأكبر من هؤلاء الفاسدين، وبلغ عدد الذين تم إرسالهم 1832 منهم 161 أمريكي، واتهم الأفراد الأمريكان من الشرطة الدولية بالاغتصاب والتورط في مسائل البغاء وقبول الهدايا من مسؤولين في البوسنة..!! ويعود سبب هذا التردي في الشرطة الأمريكية المشاركة في البعثة الأمنية الدولية إلى النوعية المختارة حيث يتم اختيار هذه النوعية عبر شركة«Dyn Corp» الخاصة الواقعة في مدينة تكساس، والتي تقوم بعملية الترشيح عبر منحة حكومية تقدر بـ15 مليون دولار سنوياً، ليتم من خلالها توفير عقود لبعثات الشرطة الدولية للبوسنة، ولكن هذه المؤسسة لا تبحث عن النوعية إنما تختار معظم أفراد تلك البعثة من الاحتياط أو من المتقاعدين الكبار في السن، الذين لم يعد لهم قدرة بدنية على القيام بمهام التدريب وغيرها، ويقول Steve Smith وهو أحد أعضاء البعثة الأمريكية للشرطة الدولية والذي ينحدر من مدينة Santa Cruz وقد عمل كضابط إقليم بمدينة Stolac البوسنية: «إنهم - أي أعضاء الشرطة الدولية الأمريكيين - يحصلون على 8500 دولار في الوقت الذي يحصل فيه غيرهم على 5000 دولار، ويقومون باصطياد البغايا ومصافحة الصبايا القاصرات، وأنهم في الحقيقة ليسوا هناك ألا للتمتع بأطيب الأوقات».
ومن القضايا الأخرى قتل شرطي أمريكي من الشرطة الدولية في البوسنة بعد اتهامه من قبل بعثة الأمم المتحدة بدفع 2900 دولار لإحدى البغايا، واتهم آخر بتورطه في علاقة جنسية مع قاصرة عمرها 13 سنة، كما تم طرد 6 من أعضاء الشرطة الدولية (أمريكيين، وبريطانيين وإسبانيين) بسبب تورطهم بعلاقات مع 34 امرأة في مواخير البغاء.. فكيف يمكن لبعثة ينخر فيها الفساد القيام بحفظ الأمن وتدريب شرطة البوسنة والهرسك، وعلى ماذا ستدربها يا ترى؟
إن استهتار المنظومة الدولية بحرية الشعوب واللعب بمصالحها والكيل بمكيالين أصبح من الجرائم التي تؤدي إلى كوارث أكبر من تلك التي عانتها تلك الشعوب من الظلم والاعتداء والتطهير العرقي.
ولم تقتصر صور ذلك الاستهتار عند فساد معظم تلك القوات الدولية، بل تعداه إلى المماطلة والتحايل على عملية الإصلاح برمتها من أجل إيجاد جو تكتنفه الضبابية وعدم الاستقرار لبقاء تلك المناطق تحت السيطرة والحماية الدولية إلى أجل غير محدود، وإلا كيف يراد من البوسنة مثلاً بناء قوات أمن في الوقت الذي تقوم فيه تلك القوات بتولي اتخاذ القرارات وإنجاز الأعمال والمهمات وتولي الجهاز المالي منفردة، وفوق ذلك كله استعمال الفيتو لتكبيل السلطات المحلية. إن مهمة إنشاء قوات أمن عملية لا بد وأن تقوم في جو من الحرية وعدم التدخل وفرض سلطة القوي على الضعيف، كما أن استعمال القرارات الفوقية التي تمارسها الإدارة الدولية في البوسنة والهرسك، وإدخالها في متاهات من كثرة الأجهزة الرسمية والتعقيدات البيروقراطية وفرض الفيتو على أي قرار لا يروق لها وتعطيلها عبر إبقائها في اشكالات محددة طيلة السبع سنوات الماضية، وعرقلة أي محاولة استثمار أو نمو عبر بث الشكوك حول عدم الاستقرار في الإعلام العالمي، والتخويف من الوضع، وفرض دورات سريعة من الانتخابات وسلسلة معقدة ومتداخلة من السلطات، أمور بعثت الملل لدى الشعب البوسني المسلم وتأكدت لديه نية المجتمع الدولي، الذي سمح للصرب بالتمتع بجمهورية مستقلة دون أدنى تدخل في شؤونها، بينما فرضت عليه وهو الضحية هذا النوع من الاستعمار والسيطرة المكبلة لحقه وحريته واختياره.
إن الشعوب المسلمة في البوسنة وكوسوفو ومقدونيا راحت ضحية للظلم وهضم الحقوق مرتين، الأولى عبر جرائم الصرب، والثانية عبر تآمر الدول الكبرى داخل منظومة المجتمع الدولي، التي وبعد أن احتلت أراضيها، هضمت حقوقها وعلقت مصيرها وعطلت كفاحها المشروع، وعاقبتها بسلسلة من الإجراءات البيروقراطية والمشاريع الوهمية وأدخلتها في متاهات من الوعود والضبابية، فزادت معاناة الناس مما أدى بهم إلى اليأس والإحباط ولم يعد أمامهم إلا خياران:
الهجرة أو خيار الانزلاق في عالم الجريمة التي انفتحت أبوابها وتهيأت ظروفها.!

* نائب المدير الإقليمي للاتحاد العالمي للإعلام واستطلاعات الرأي - لندن

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved