حينما تكون التجربة والخطأ أو الملاحظة والتقدير هي السمة البارزة لاتخاذ القرار والصدور عنها إلى الحكم على الأشياء من حولنا دون التزام المنهج الاستقرائي والنبراس الموضوعي، بل الأدهى من ذلك هو تهميش تلك المبادئ التخصصية وإغفال تحكيمها؛ ظناً بأنه بمقدور الشخص التشريع والتنفيذ عن دراية أو خبرة استقرائية مختزلة...!
حينما تسيطر تلك النظريات على الحس والعقل فحينها دون مواربة تسود العشوائية ويصبح الكل مفوضاً في الحكم، وصياً في التدبيرغير مسؤول عن تبعته حتى تتلاشى المبادئ بل الادهى من ذلك التذرع بالانعتاق من المركزية؛ لتصبح الأنصبة كحال المستجير من الرمضاء بالنار! تحت شعار (الكل يجرب) ناهيك عن تفاقم تلك السلبيات في قضية مصيرية حاسمة.. كميدان التربية والتعليم لتدفع الذاتية في صدر الموضوعية على حساب المعاني الراسخة والمبنية على قياس سليم ومنهج واضح وأساس متين..
ولن أستطرد في بيان الآثار المترتبة على تبني ذلك المنهج الأنف الذكر وتهميش ماعداه بيد أني ألتفت ببصائركم إلى احد ملامح اللائحة الجديدة لتقويم الطالب في الصفوف الدنيا في المرحلة الأم الأساس تلك اللائحة التي إنما أتت لتسمو بأطفال ذلك الصف إلى غاية مطمحها، ونبيل مطمعها، أتت لتنقذ الزهرة من الذبول، أتت لترفع عن التلميذ حرج البيروقراطية، ورتابة الروتين، وصممية التلقين، وسلبية الانغلاق الخانق للمواهب والأفكار، لينفتح على إثر ذلك باب للحوار والنقاش، والأخذ والعطاء.
ولا تزال تغذ السير إلى غاية قصدها حينما تغرس في مدارك كل طفل جملة من المهارات والقدرات المعرفية المقننة؛ لتهيمن على حواسه وعقله وفكره، لتكون بمثابة الموجه الخفي لسلوكه وتعامله قولاً وعملاً.عندها يقف الطفل على قدمين راسختين يفكر بصوت مسموع، عندها تنداح أمامه أبعاد وآفاق لم تكن في الحسبان، عندها تتراءى خواطره وأحاسيسه امام عينيه بأخيلة علمية منظمة، قوامها وهج عقله، واتقاد ذهنه، ونور فكره.. بفضل الله ثم بفضل المعالجة الدقيقة الموضوعية التي تترسمها تلك الطريقة الجديدة.
بسطت يديها ليتخرج عليها المبدعون والموهوبون، لتبني القدرة على التكيف والتوازن، لتشخص وتقيس القدرات العقلية الضرورية للإحاطة بتلك المهارات المختلفة.أخذت بيد التلميذ نحو طريقة أسلم وأقوم في مجال التعليم، احتفظت بالترفيع لمن يستحقه وبجدارة بعيداً عن النمطية التي اشتمل عليها هيكل الامتحانات القديم، حينما يكون همّ التلميذ الخوف من الرسوب لا حب النجاح نفسه..!الأقداح مترعة، والنوافذ مشرعة نحو منهجية تعليمية أسلم وأفضل في ظل تلك البادرة الفريدة.كل ذلك لن يتحقق إلا حينما تتضح معالم الطريق، حينما تلتئم الفجوة بين النظرية والتطبيق؛ إذ إن العلم يهتف بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل!
دالية رقراقة، وثمار يانعة استوت على سوقها تعجب الزرّاع، بانتظار يد حانية حاذقة مشمرة ترتفع في موسم الحصاد، وتتحدر في موسم البذر والسقي، وفي الوقت نفسه تتربص وجلاً ورعباً، من يد طائشة جائشة تفسدها من حيث تدري أو لا تدري..!باسقة مشمخرة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها شريطة التعهد السليم الصحيح، حينما يتشرب المعلم الذي هو آلية التنفيذ تلك الحيثيات، ويحيط بأنجع السبل، ويلم بأصوب الطرق الكفيلة بخدمة تلك اللائحة.حينما يعد إعداداً ملائما يتوافق مع الحقبة، ويواكب المرحلة، حينما يُفتح بابٌ للحوار الهادئ الميداني للتقويم والتطوير والتعديل، حينما يُحتوى ما علق بالمناهج من بقية حشو استشرى تحت سيطرة اللائحة القديمة حينما (يُفذلك) المنهج الكميّ فتستأصل شأفة وهنه، وتماط أواذيه المتمثلة في نزر ركام من التدريبات والتمارين المعقدة ذات النفس الطويل التي طالما أرهقت أذهان التلاميذ الأطفال ، واضمحلت في جنبها بركة الوقت! وأجبرت الفئام من الميدانيين على طريقة المحاضرة والالتفات قسراً إلى بنود المنهج السلبي القديم ومعالمه الملحّة؛ لاتضاح كنهها في أذهانهم..!ثم إني أختم تلك الأحرف بخطوة حقيقية كمثال يأخذ بأناملنا لوضعها على إحدى التجارب الظاهرة المنهجية المقننة في سبيل تقويم الطالب إذ هي بمثابة غيض من فيض أو مالا يدرك كله لا يترك كله، ألا وهي ذلك العمل التقني المقدم على طبق أسطواني لامع منبثق من جهد أحد مشرفي الصفوف الدنيا في مركز الغرب ومشرف المرحلة الأولية ببرنامج (المدارس السعودية الرائدة) أحد العاملين بصمت مستغرق ليقدمه تحت مسمى (المرشد المساعد للجنة التوجيه والإرشاد في الصفوف الدنيا) كأحد النماذج المطروحة لخدمة الميدان، فهل لنا أن نطالع حيثياته؟!وفق الله الجميع للصلاح والإصلاح إنه جواد كريم.
الرياض |