Friday 2nd August,200210900العددالجمعة 23 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

شرطة الحي والدور الوقائي المطلوب شرطة الحي والدور الوقائي المطلوب
د. خالد سعود البشر

تشمل السياسة الجنائية بمفهومها الحديث ثلاث وظائف رئيسة هي الوقاية والمنع والعلاج، وتسهم هذه الوظائف مجتمعة في تحقيق الأمن، ولا يكتمل عمل مكافحة الجريمة إلا بأداء تلك الوظائف وإعطائها الأهمية بالقدر المطلوب، ويشارك عدد من الأجهزة الرسمية وغير الرسمية أجهزة الأمن في هذه المهمة ولاسيما في وظيفة الوقاية والعلاج.
وسأقصر حديثي على أقسام الشرطة داخل الأحياء ودورها في تحقيق الوظيفة الثانية وهي الوظيفة الوقائية، حيث يتطلب من القسم لتحقيق أهدافه القيام بتقديم خدماته الأمنية منطلقا من مهام الوظائف السابقة الذكر.
ولاشك ان قسم الشرطة يقدم خدماته في المساحة التي تقع ضمن مسؤولياته وذلك من خلال معالجة المشكلات الأمنية على اختلاف أنواعها في محيطه الجغرافي ونجده في الواقع يعاني وبشدة من تعدد القضايا المطروحة أمامه وتكدسها بسبب عاملين أولهما اتساع المساحة الجغرافية الواقعة تحت مسؤولياته والأمر الآخر غياب الدور الوقائي أو الوظيفة الوقائية التي من المفترض عليه القيام بها، فمن الملاحظ ان أقسام الشرطة لا تولي هذه الوظيفة الاهتمام المطلوب على الرغم من كونها وظيفة أساسية في مكافحة الجريمة حيث أثبتت الدراسات والبحوث الأمنية ان الوقاية هي العامل الأجدى للحد من معدلات الجريمة وتسهم بشكل فاعل في تقليل عدد القضايا المنظورة أمام القسم، ومن جهة أخرى فإن الوقاية تساعد على تخفيف المعاناة التي يواجهها المحققون في معالجة القضايا من جراء كثرتها، وقد يدفع الكم الكبير من القضايا إلى تشتت الجهد وعدم التركيز في بعض الحالات المعتقد بأنها بسيطة وأن هناك أولوية لقضايا أخرى أهم وهكذا يتولد لديهم شعور بعدم أهمية القضايا الصغيرة والبسيطة نظراً لتكرارها فلاتنال القدر الكافي من الاهتمام والعناية وكم من جرائم كبيرة وقعت نتيجة لتصرف أو سلوك خاطئ لم يتم ردعه في حينه فضلا عن أن تقدير الضرر أمر نسبي يختلف من وقت إلى آخر، ومن شخص إلى آخر ولاشك أن الدوريات الأمنية التي هي جهاز منفصل عن إدارة الشرطة تقوم بالدور الوقائي، وذلك من خلال أعمال المراقبة وتواجدها وهو دور محمود ومتميز لا يمكن إغفاله، ولكن ماذا عن أمن الحي بشكل محدد؟
لماذا لا يكون لقسم الشرطة داخل الأحياء دور في خدمة أمن الحي وخصوصاً في الجانب الوقائي؟ لماذا ننتظر حدوث المشكلة أو الجريمة حتى يتدخل قسم الشرطة ويكون دوره في حدود الضبط والمنع؟ لماذا لا يقوم قسم الشرطة بدور وقائي أكبر حيث إن وجود إدارة للأمن الوقائي على أقل تقدير داخل كل قسم من أقسام الشرطة يمكن أن يشكل آلية مناسبة للقيام بهذا الدور حيث يتيح له التعرف على سكان الحي وتلمس احتياجاتهم ومشاركتهم في شؤونهم، كما أن هذه الآلية تتيح لرئيس القسم معرفة ما يدور في الحي وتسهل عليه ايجاد علاقة مع السكان وتتيح له الاتصال بمدارس الحي للالتقاء بالمرشدين الطلابيين ومديري المدارس وأئمة المساجد لمعرفة السلوكيات الخاطئة والظواهر السلبية والتعرف على الفئات المنحرفة او المعرضة للانحراف والسعي لحل مشكلاتهم ورصد تحركاتهم، وفي الوقت ذاته تمكنه من معرفة الاماكن المزدحمة في الحي والتجمعات السكانية الخطرة ويمكن له الإسهام في برامج ثقافية وأمنية متعددة كتوزيع المطبوعات وإلقاء المحاضرات في المدارس والمساجد داخل الحي وذلك من خلال واقع معرفته لأكثر السلوكيات المنحرفة في الحي والفئات التي يتوقع الخطر منها، إن المشاهد للواقع يرى أن رئيس القسم داخل الحي لا يكاد يُعرف ولا هو يَعرف القاطنين حتى وان كانوا جيران القسم.
إن المفهوم الحديث للشرطة المجتمعية يتمثل في قيام قسم الشرطة بلعب دور بارز في المشاركة المجتمعية ومنها المشاركة في احتفالات نهاية العام الدراسي وتوزيع شهادات التقدير والشكر للمتفوقين مع إدارة المدرسة والاسهام في إيجاد علاقة ثقة ومودة مع السكان، كم كنت أتمنى أن يكون رئيس القسم من سكان الحي أنفسهم حتى يسهم ويعايش الحي خلال اليوم كاملا ويعرف نقاط القوة والضعف ويكون علاقات اجتماعية تعينه على أداء عمله وتسهم في خلق مواقف ايجابية من سكان الحي متى ما احتاج إلى ذلك وتكوين جمعيات صداقة واجتماعات غير رسمية مستمرة، وكل ذلك لا يمكن أن يتم إلا من خلال تواجده المستمر ومعايشته لأحوال وشؤون الحي..ولاشك ان اتساع نطاق مسؤولية القسم تجعله لا يحيط بكل تفاصيل الأحداث التي تقع ضمن مسؤولياته، ولهذا فإن زيادة عدد مراكز أقسام الشرطة وتقليل نطاقها الجغرافي داخل المدينة كلما أمكن يسهم في السيطرة على الحي بالإضافة الى وجود دوريات أمنية تابعة لقسم الشرطة وتحت مسؤولية القسم تتيح له المتابعة بشكل أدق كما أن وجود إدارة عامة للأمن الوقائي بجهاز الأمن العام تعمل على التنسيق المستمر مع الأجهزة الحكومية الأخرى كالمؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية والأجهزة غير الرسمية كالجمعيات الخيرية يتيح الفرصة للمشاركة في تحقيق الأمن ورسم خطط وبرامج مشتركة لتحقيق هذا الهدف.مع الاستفادة من الدراسات والبحوث الأمنية وتجارب الدول الأخرى وتطبيق المفاهيم الحديثة للأمن، ومن الثابت علميا وواقعيا أن تكلفة الوقاية أقل بكثير من العلاج وان الوقاية هي الأكثر نجاعة فلا ننتظر حدوث الجريمة ومن ثم نتدخل للضبط إنما يكون الانجاز الحقيقي في الحد من معدلات الجريمة كلما أمكن ذلك بالوقاية أولاً وضبطها عند وقوعها ثانياً وعلاج آثارها بعد حدوثها ثالثاً لضمان عدم العودة إليها..دعواتي الصادقة بالتوفيق للجميع.

* أستاذ السياسة الجنائية المساعد - أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved