Thursday 1st August,200210899العددالخميس 22 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

معركة ميسلون وقائدها ابن دغيثر (الحلقة السادسة والأخيرة) معركة ميسلون وقائدها ابن دغيثر (الحلقة السادسة والأخيرة)
عبدالله بن صالح العقيل

وفي أثناء مطالعاتي بين ثنايا الكتب في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض عثرت على مجموعة من الكتب التي تتحدث عن معركة ميسلون والتي كتبها شهود عيان من مسرح المعركة سوف أستعرض ماجاء فيها مع التعليق:
يروي ساطع الحصري (11) وهو من شهود المعركة حيث كان أحد وزراء الشريف فيصل في زمن ميسلون وكان كما يقول في قلب المسرح وفي موقف خاص يسرّ له الاطلاع على جميع صفحات الوقائع بتفاصيلها التامة، يقول في كتابه: (وبعد العشاء، جاء يوسف العظمة يودّعنا، قائلا بأنه سيتوجه إلى الجبهة. ولكنه قبل أن يغادرنا انتحى بي زاوية من الغرفة، وقال لي بالتركية، بصوت تخنقه العبرات: أنا ذاهب! إني أترك ليلى أمانة لديكم، أرجوكم ألاّ تنسوها. وليلى المقصودة في كلامه هذا، هي ابنته الوحيدة التي كانت جاءت من الآستانة مع أمها قبل اسبوعين من تاريخ تلك الحوادث.. ولقد أدركت حالا ما كان يقصد من كلامه هذا: إنه يتوجه نحو الجبهة موطدا العزم على ألا يعود منها أبداً... ويكمل الحصري كلامه بقوله: ولكن النتيجة لم تبطىء كثيرا: فقد وردت الأخبار قبل الساعة العاشرة بانكسار الجيش واختراق الجبهة. وقالوا: يوسف العظمة قتل في ميسلون. فقلت بل إنه انتحر هناك!... واستشهد على كل حال..)
أقول: لا شك بأن يوسف العظمة كان يعرف حال الأمة في تلك المعركة، وكان يدرك بأن الهزيمة سوف تحل بالجيش العربي لا محالة لأنه كان يشم رائحة الخيانة من العملاء الذين جنّدهم الجيش الفرنسي للتجسس وأعمال التخريب بين صفوف الجيش العربي قبل أن يأمر الشريف بتسريح الجيش وحلول الهزيمة. وهذا ما حدا به بأن يوصي على ابنته لأنه كان عازما على النصر أو الموت. ثم إنه كان وزيراً للدفاع السوري آنذاك وكان قائداً ولايمكن لأحد أن يُنقص من قيمته وقدرته العسكرية ولكن الأحوال التي تمر بها الأمة السورية آنذاك كانت أحوالاً سيئة يشوبها الغدر والخيانة والتحدي بين القادة، ومصداقا لقول الحصري فإن الوزير العظمة عندما رأى الجيش ينهزم بسبب الخيانة بين صفوفه وأن الذخيرة قد نفدت من أيدي أفراده وأن الجيش الفرنسي يتقدم في أرض المعركة ويحصد الجنود والمتطوعين العُزّل، ثم إن الألغام التي زرعها في طريق العدو لم تنفجر وعرف بأنها قد أبُطل مفعولها أدرك بأنه لا فائدة من الحياة مادامت الملامة سوف تلحق به فقام بالانتحار مفضلا الموت على الحياة.
فما دام هذه حال القائد والوزير الذي كان يعرف ما عليه قومه وكان يحس بالهزيمة قبل وقوعها وكان عازماً على الانتحار فليس أمامه إلا أن يقول (بيدي لا بيد عمرو) ويفعلها بنفسه ليحفظ سمعته بعد موته. واخيرا لما علم من بقي في المعركة من أفراد الجيش بأن الوزير مات فروا هاربين من الموت فلم يبقَ في الساحة إلا الهجّانة من عقيل بقيادة ابن دغيثر الذين أبلوا بلاء حسناً في القتال حتى أنقذهم قائدهم كما يروي بالانسحاب عندما رأى الطائرات تحوم فوق رؤوسهم، وهذا ما حدا بالمواطنين السوريين الذين شاهدوا المعركة بأن يرفعوا صورة ابن دغيثر في أحد الميادين بدمشق مشيدين بشجاعته وحنكته، ولو كانوا يرون بأن يوسف العظمة كان له دور بارز في المعركة لأشادوا به ولم يشيدوا بابن دغيثر.
كما يروي صبحي العمري (12) حقائق كثيرة عن قوة الهجّانة، قال: بعد عودة الشريف ناصر من حلب إلى دمشق عاد الهجّانة الحجازيون الذين كانوا في حلب بإمرة الشريف مطر وأضيفوا إلى باقي الهجّانة الذين جرى تجميعهم ممن كانوا في معية الأمير وباقي الأشراف وتشكّل من مجموعهم قوة واحدة بقيادة الشيخ مرزوق التخيمي واعتبرت حرساً خاصاً للأمير، ثم إنه تم تنظيمهم بشكل شبه عسكري لتأمين أمور إدارتهم وتدريبهم وضبطهم، وقد بقيت تلك القوة وسرية الحرب الملكي النظامية التي كان جميع جنودها من اليمانيين هي القوة الوحيدة في جيش الثورة وبقيت سليمة من التشتيت ولم يكن لقوة الهجّانة هذه ارتباط بالجيش بل بالأمير زيد مباشرة.
ثم قال: (وفي معركة ميسلون.. ظهرالنفع العظيم الذي حققه هذا الترتيب عندما بقيت هذه القوة سليمة من افساد العناصر المأجورة من الداخل كما وقع في أكثر قطعات الجيش وقد سلمت أيضاً من التسريح وكانت وسرية الحرس الملكي القوتين الوحيدتين اللتين حاربتا في معركة ميسلون بوجودهما الكامل كما سيتضح ذلك).
أقول: إن ما قاله الوزير العمري في الجملتين السابقتين عن الهجّانة يعتبر إشادة واضحة بالقوة التي يتمتع بها أفرادها في الحرب وفي حماية الشريف حيث كان يحدوهم الإيمان بالله والإخلاص للحاكم حيث كانوا يرتبطون بالشريف مباشرة ولم يكن لهم علاقة بالجيش النظامي الذي كان تحت إمرة وزير الدفاع، لذلك سلموا من الخيانة والتسريح وبرز دورهم واضحاً في الحرب. وكان العمري يروي بأن الهجانة والحرس الملكي هما القوتان الوحيدتان اللتان حاربتا في معركة ميسلون تحت تنظيم خاص ولم يكن لهما أي ارتباط بالجيش النظامي ولو كان للجيش النظامي دور بارز في الحرب لأوضحه في كتابته.
كما تحدث العمري في موضع آخر (13) عن قوة الهجانة ودورهم في المعركة بعد تسريح الجيش ووقوع الهزيمة فقال: «وفي الساعة 30 ،8 شوهد على الجناح الأيسر في مرتفعات قرية ينطة الاشتباك بين قطعاتنا الراكبة (خيالة وهجانة) والقوات الفرنسية فأمر قائد الفرقة بارسال عدد من المتطوعة الموضوعين في خلف الفوج الثالث لاسنادهم ولما اشتد قصف المدفعية والطائرات انسحب أكثر المتطوعة الذين لم يكن لهم سابق معرفة لا بالحرب ولا بالطائرات ولم يبق من المتطوعين الذين كانوا في احتياط الفوج الأول أكثر من 150.
أقول: وهذا القول من الوزير العمري مصداقاً لما قاله ابن دغيثر في فقرة سابقة، حيث أوضح بأن رجال العقيلات كانوا يلاحقون الجنود الفرنسيين ويرمونهم بالسلاح وكادت المعركة تنتهي بهزيمة الجيش الفرنسي ولكنهم أرسلوا الطائرات تحلق فوق جيش الهجانة ولما رأى القائد ابن دغيثر بأن الطائرات تكاد تقضي على أفراد جيشه أمرهم بالخروج من بطن وادي ميسلون حتى يسلموا من القصف ويحفظ معنوياتهم ونشوة الانتصار في نفوسهم.
وقد وصف العمري جنود العقيلات الذين كانوا يمتطون الإبل بأنه (14): عندما وصل الخبر بأن بعض الجنود من العدو يتسلقون مرتفعات الوادي من الجهة الثانية وصدر الأمر لرجال العقيلات بأن يعقلوا ابلهم ويتسلقوا جانبي الوادي قبل أن يصل إليه العسكر، قال «ونادى مرزوق رجاله أن يعقلوا ابلهم ويتسلقوا، وبسرعة غريبة كانوا يقفزون نحو القمة كالأرانب، فالبدوي عندما يعقل ناقته من أجل الدخول في المعركة فغنه يترك فوقها عباءته ولربما كوفيته أيضاً، بحيث يبقى خفيفاً متحرراً من كل ما يعيق حركته أو يتعبه.. وما كادت خمس دقائق تمر على بداية تسلق الهجانة حتى وصل أسرعهم الذروة وبدأ الرمي لأنه بمجرد وصوله وجد أوائل جنود السنغال قد وصلوا إلى عشرة أمتار من القمة، والطلقة من عشرة أمتار أو خمسين أو مائة متر من بندقية البدوي، لا يمكن أن تخطئ هدفها، فكان قتلى جنود السنغال يتدحرجون من أعلى المرتفعات التي وصلوا إليها إلى الأسفل كالحجارة».
أقول: وهذه شهادة أخرى على بسالة الهجانة من العقيلات وهو مصداق لقول ابن دغيثر ورويناه سابقاً بأنه لما رأى رجال العقيلات يقاتلون ببسالة وكان الفرنسيون ينهزمون ثم جاءت الطائرات تحوم فوق وادي ميسلون وخاف على المقاتلين من الابادة أمرهم بالخروج من الوادي حفاظاً على أرواحهم.
ثم قال العمري اكمالاً لما سبق ومصداقاً لقول ابن دغيثر بأن الطائرات الفرنسية حلقت فوق المقاتلين، بأنه اقترح على قائد العقيلات ان ينسحب مع هجانته ليأخذ موضعاً على يسار المرتفعات ليسد عليهم الوادي قال: «ولكن الذي حصل أنه ما كاد يصدر لهم الأمر بالانسحاب حتى قاموا جميعهم وانسحبوا مرة واحدة وفقدت السيطرة عليهم بسبب أن طائرتين كانتا قد اكتشفتا مكان الهجن فوجهت قنابلها عليهم فاختلطت بعضها ببعض وعلا صراخ أصحابها..».
أقول: وبعد فهذه الحقائق التي استطعت أن أجمعها عن هذا القائد الشجاع الذي يجهل كثير من الناس في المملكة وخاصة أبناء مدينة الرس دوره في هزيمة الجيش الفرنسي وشجاعته في معركة ميسلون المشهورة التي اشتركت فيها مجموعة من أبناء نجد بجانب اخوانهم السوريين ملبين نداء الشرف والكرامة تاركين ما وراءهم من آباء وأبناء ومصالح تجارية ومضحين بأنفسهم وأرواحهم في سبيل محاربة الأعداء ومساعدة اخوانهم المسلمين، صحيح بأنها كانت مجهولة من قبل أبناء نجد فهي تاريخ مجيد سطره آباؤهم الأبطال في بلاد عربية مسلمة عزيزة علينا.
كما ذكر بأنها ليست المرة الوحيدة التي يشترك فيها النجديون في معارك عربية مصيرية حيث اشتركت مجموعة منهم في حرب فلسطين مع جيش الانقاذ بقيادة القائد فوري القاوقجي وقد تم تدريبها في منطقة المزة في سوريا، وقاتلت في صفد وشمال فلسطين وهم من أبناء العقيلات، كذلك لا يمكن أن ننسى المجاهدين السعوديين الذين كانوا يرابطون في شرق فلسطين بقيادة المرحوم فهد الحارس، كذلك يذكر دور الجيش النظامي الذي كان يقاتل بقيادة اللواء سعيد عبد الله كردي مع الجيش المصري في جنوب فلسطين، كذلك ما قام به عرب الجزيرة العربية من بطولة في مساعدة المصريين عند محاربة نابليون.
إنها دعوة اقدمها لكل من لديه معلومات مكتوبة أو مروية من الكتاب أو كبار السن من الآباء ان يسارعوا إلى كتابتها وتوثيقها حتى تكون نبراساً يضيء طريق النشء ويتعرفوا على ما كان عليه آباؤهم من شجاعة وبطولة، كما أن لأقسام التاريخ في جامعاتنا السعودية ودارة الملك عبد العزيز وجمعيات التاريخ والمكتبات العامة مثل مكتبة الملك فهد الوطنية ومكتبة الملك عبد العزيز العامة الدور المهم في البحث في تلك المعلومات وتوثيقها.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved