الحمد لله وبعد.. تعقيباً على ما ورد في مقالة أحد الفضلاء «سلمان بن فهد العودة» بعنوان «الدفاع عن العقيدة أولى» في عدد الجزيرة رقم 10888 ونصه:
«وحتى أولئك الذين وقعوا في الشرك جاهلين نؤثر عذرهم بالجهل وبقاءهم على الأصل ويحفظ لهم وصف الإسلام».
فأقول وبالله التوفيق إن توحيد العبادة هو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه وهو توحيد الله بأفعال العباد كالدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والتوكل والرغبة والرهبة قال تعالى: {وّقّالّ رّبٍَكٍمٍ ادًعٍونٌي أّسًتّجٌبً لّكٍمً إنَّ الذٌينّ يّسًتّكًبٌرٍونّ عّنً عٌبّادّتٌي سّيّدًخٍلٍونّ جّهّنَّمّ دّاخٌرٌينّ} وضد التوحيد الشرك قال تعالى: {إنَّهٍ مّن يٍشًرٌكً بٌاللَّهٌ فّقّدً حّّرَّمّ الله عّلّيًهٌ الجّنَّةّ وّمّأًوّاهٍ النَّارٍ} قال ابن تيمية: إنه قد تقرر من مذهب أهل السنة والجماعة ما دل عليه الكتاب والسنة أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب ولا يخرجونه من الإسلام بعمل إذا كان فعلاً منهياً عنه مثل الزنا والسرقة وشرب الخمر ما لم يتضمن ترك ما أمر الله بالإيمان به مثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت فإنه يكفر به وكذلك بعدم اعتقاد الواجبات الظاهرة المتواترة وعدم تحريم المحرمامات الظاهرة المتواترة ج20 ص 90.
وقال القرطبي في قوله تعالى: {لّوً أّنزّلًنّا هّذّا القٍرًآنّ عّلّى" جّبّلُ لَّرّأّيًتّهٍ خّاشٌعْا مٍَتّصّدٌَعْا} حث على تأمل مواعظ القرآن وبين أنه لا عذر في ترك التدبر فإنه لو خوطب بهذا القرآن الجبال مع تركيب العقل لانقادت لمواعظه.
وقال تعالى: {يّوًمّ لا يّنفّعٍ الظَّالٌمٌينّ مّعًذٌرّتٍهٍمً وّلّهٍمٍ اللَّعًنّةٍ وّلّهٍمً سٍوءٍ الدَّارٌ}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يقبل من الذين أشركوا عذر ولا توبة.
وقال قتادة: عذر الله الحجارة ولم يعذر شقي بني آدم.
قال ابن تيمية: متى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيه لم يكن معذوراً ج20 ص280 وجاء في الفتوى الصادرة من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء رقم 4400 فيما يتعلق بهذا الموضوع ما نصه:
كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافراً مرتداً عن الإسلام مشركاً مع الله غيره في العبادة ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده لغير الله لكنه قد يعذر لجهله فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة ويمهل ثلاثة أيام إعذاراً إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته لقول النبي صلى الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه» فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة به لا ليسمى كافراً بعد البيان فإنه يسمى كافراً بما حدث من سجود لغير الله أو نذره قربة أو ذبحه شاة مثلا لغير الله وقد دل الكتاب والسنة على أن من مات على الشرك لا يغفر له ويخلد في النار لقوله تعالى: {إنَّ الله لا يّغًفٌرٍ أّن يٍشًرّكّ بٌهٌ وّيّغًفٌرٍ مّا دٍونّ ذّلٌكّ لٌمّن يّشّاءٍ} وقوله: {مّا كّانّ لٌلًمٍشًرٌكٌينّ أّن يّعًمٍرٍوا مّسّاجٌدّ الله شّاهٌدٌينّ عّلّى" أّنفٍسٌهٌم بٌالًكٍفًرٌ أٍوًلّئٌكّ حّبٌطّتً أّعًمّالٍهٍمً وّفٌي النّارٌ هٍمً خّالٌدٍونّ} انتهى.. ومما سبق يتبين خطأ ما ذهب إليه الكاتب لأنه يترتب عليه أمور مخالفة للشرع من الصلاة عليهم والدعاء لهم ونكاح نسائهم أو إنكاحهم والصلاة خلفهم والإقامة عندهم وعدم منابذتهم والشك في كفرهم وشركهم بالله مع ظهور دعوة التوحيد بينهم والإعراض عنه وعدم قبوله ثم على فرض التفصيل في هذا المقام فإن الإعذار لله وحده ولا يحل لأحد أن يقول على الله بغير علم لاسيما والأدلة ظاهرة ومتضافرة من الكتاب والسنة على وصف القائمين بالشرك بالمشركين والكافرين وتخليدهم في النار.
علي بن إبراهيم العدوان - ديوان المظالم |