من يتحدى صيف الرياض الطويل الخامل؟ من يستطيع أن يقارع ساعاته الطويلة المنداحة فوق أوقاتنا بجسارة وتحد وقدرة على تخليصها من منزلق الكآبة والملل؟
وإن كان كل منا يمضي الصيف بطوله في اكتشاف أدواته الخاصة التي يعبر بها نهر هذا الصيف المحموم، فباعتقادي الشخصي ليس هناك أنجع من الكتاب كمركب النجاة الوحيد الذي نتعلق بأهدابه إلى الضفة الأخرى.
ولابد أن ساعات الصيف الطويلة تكثف قراءتنا بل قد نستدرك من خلالها جميع الكتب المؤجلة طوال العام بين زحام الالتزامات والمسؤوليات اللامتناهية.
وإن كنت أتوق دوما للكتب المؤجلة فوق أرفف مكتبتي، إلا أنني أحتفي كثيراً أيضا بالكتب التي تصلني عبر البريد كهدايا مباغتة معبأة بالمجهول والمتوقع.
ومن ضمن هذه الكتب هو المجموعة القصصية الأخيرة لملحقنا الثقافي في بريطانيا (عبدالله الناصر) حصار الثلج.
فعلى حين سيطر على أجواء المجموعة الأولى للكاتب (أشباح السراب) الحنين العارم للماضي ونستولجيا الذكريات لقاع الصحراء وقراها الصغيرة المتوارية بين تنهدات النخيل، فكانت تلك المجموعة هي الممر الذي لابد أن يمر عبره الكاتب للوصول الى مجموعة حصار الثلج، كانت القصص في المجموعة الأولى هي هاجس الطفولة وأجواؤها التي لابد أن يقطعها لكي يصل إلى حاضره وإلى وعيه بالمحيط والزمان من خلال حصاره الثلجي في مدن الشمال القصية.
وان كانت المجموعة لم تتخلص بعد من أحاديث الماضي وقصصه وذكرياته، وكأنه الترياق الذي يتوسله القاص ليواجه به أمراض الغربة وقلوبها المعطوبة. وإن كانت مساحة التجربة تمتد وتتسع من خلال وجودنا بعيداً عن الأوطان، ولاسيما في المدن التي تمنحنا نوافذ متعددة للدهشة ورؤية الجديد والمختلف ولكن يبدو أن مساحة العمل الدبلوماسي تقيد هذه التجربة، أو بالتحديد أساليب التعبير عنها، فمن خلال كثير من القصص كنت ألمس أن الدماثة الدبلوماسية تكبح جماح انهمار القصة وعنفوانها وتبقيها في مضمار محدد ومعروف سلفا في ذهن القاص. وفي هذه المجموعة التي انعتق فيها القاص من نستولجيا وحنين النخيل في الدرعية، انتقل منها بسرعة إلى الهم القومي كقصة شخير، أو نجيب فرحان، أو الثأر.
مع عرض حساس وجميل للهم الإنساني وعذابات المهمومين والمهمشين على أطراف الحياة مثل قصة أسراب الحمام والانكسار والحرمان والاستغاثة.
أحببت قصة (التنكة) ببعدها الرمزي الذي طال كل مؤسسة لدينا ترفل في سباتها وتخلفها.
ولفت نظري الإحساس المرهف بهموم المرأة ومعتقلها التاريخي.
في هذه المجموعة يعلن القاص عبدالله الناصر انضمامه إلى هموم المهمشين وسكان الأطراف، ويمتعنا من خلال هذا الحصار الثلجي في قصص هذه المجموعة، على أن نتوقى هجمة الصيف الرياضية.
|