Thursday 1st August,200210899العددالخميس 22 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نقاط ساخنة على حروف السعودة نقاط ساخنة على حروف السعودة
د.عبدالعزيز إسماعيل داغستاني (*)

على الرغم من أن السعودة احتلت حيزاً مهماً من اهتمامات الجهات ذات العلاقة في القطاعين العام والخاص، إلاّ أنها ما زالت تفرض وجودها كقضية اجتماعية متجاوزةً أبعادها الاقتصادية التي يفترض أن ترتبط بها في المقام الأول. وقد لا يصعب فهم هذا التجاوز في ظل الرؤى المتباينة التي تنظِّر لقضية السعودة سواء من حيث أسبابها كظاهرة أو علاجها كمشكلة. وإن كان تباين الرؤى حقاً مشروعاً بحكم مساوئ مصادرة الرأي الآخر، إلا أن تناول مثل هذه القضايا يستحق رؤية متخصصة تضع النقاط على الحروف لتستنطق حلولاً موضوعية تقوم على أسس علمية. ولعل طريق الحل يبدأ أولاً بتشخيص الحالة وسبر أغوار مرجعيتها السببية لتتيح لها فرصة الوصول إلى الدواء الناجع.
وغني عن القول، وإن تجاوزت قضية السعودة أبعادها الاقتصادية، فإن البعد الاقتصادي يمكنه أن يرسم معالم هذه القضية كاملة ويحدد إفرازاتها بدقة بحيث يمكن بالتالي استيعاب أبعادها الاجتماعية والثقافية والأمنية والتي يمكن أن تأخذ منحىً سلبياً إن لم تنجح سياسات وإجراءات السعودة في تطويق مشكلة انحسار فرص العمل أمام السعوديين. ولعل هذا التسلسل المنطقي في التفكير هو الذي يقود الكلمات للولوج إلى الفكر الاقتصادي وكسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها الرؤى التي تنظِّر لقضية السعودة.
المفصل الاقتصادي الذي يحكم قضية السعودة لا يحكمها من جانب السياسات والإجراءات بقدر ما يطوقها من حيث تداعيات نتائج تلك السياسات والإجراءات الحقيقية والتي تجسدها معدلات البطالة في سوق العمل.
وهذه العلاقة تعكس الحالة الخاصة لسوق العمل في الاقتصاد السعودي التي لم تتطرق إليها نظريات العمل التقليدية في الفكر الاقتصادي،إذ تختل في هذه السوق المعايير الاقتصادية التقليدية بحكم انفتاح السوق السعودية على العمالة الأجنبية. وفي مثل هذه الحالة، يكون عرض العمل الكلي غير محدد أو مقيد بالعمالة السعودية فقط في حين يرتبط الطلب على العمل بهيكل الاقتصاد في حدوده التقليدية.
وبانفتاح السوق السعودية على العمالة الأجنبية وسهولة جانب عرض هذه العمالة، ينشأ الخلل في سوق العمل ويدفع السعودي الثمن، إذ تسير آلية السوق في غير صالحه لعدة اعتبارات تراكمية وآنية. فالاعتبارات التراكمية هي الأصعب، حيث تكيف هيكل التكاليف في فعاليات الإنتاج على استخدام عمالة أجنبية رخيصة نسبياً ومثابرة إجبارياً، مما خلق فيها ميزة نسبية أعطتها وضعا تفضيلياً عن العمالة السعودية فكونت هذه الممارسة التراكمية على أرض الواقع. أما الاعتبارات الآنية، وإن كانت تبدو أسهل من التراكمية، فهي نتاج للاعتبارات التراكمية التي وقفت سداً منيعاً أمام نجاح العديد من سياسات وإجراءات السعودة. والسبب هو سيادة الاعتبارات التراكمية على التفكير الاستراتيجي في معالجة قضية السعودة في الوقت الذي كانت أحوج فيه إلى مواجهة إجرائية صريحة تتحقق فيها الشفافية التي لا يمكن ان تستقيم أمور المجتمع أو الاقتصاد بدونها. هذه الاعتبارات التراكمية خلقت فكراً وظف فيه البعد الاقتصادي توظيفاً خاطئاً وإن لاقى قبولاً اجتماعياً ساذجاً خلق تلك الرؤى المتباينة التي تنظِّر لقضية السعودة. ذلك أن تبسيط الأسباب الرئيسية للبطالة في عزوف العمالة السعودية عن العمل في بعض الأعمال أو عدم مواءمة مؤهلاتها مع متطلبات سوق العمل، هو تبسيط مخل يفرغ قضية السعودة من أهم قنوات علاجها، ويضعف الرأي الاقتصادي الذي يقوم على آلية السوق.وآلية السوق هي ميزان العدالة في الفكر الاقتصادي إذ تحتكم عناصر الإنتاج إلى نقطة التوازن التي تضمنها آلية السوق وتقود الاقتصاد إلى مرحلة التوظيف الكامل لموارده المختلفة.
إن تحقيق السعودة هدف يمكن الوصول إليه بالتدخل المباشر لمعالجة الخلل المتراكم في سوق العمل والتحكم في جانب العرض الكلي للعمل بوضع وتنفيذ قيود مسببة على عرض العمالة الأجنبية حتى يتاح للعمالة السعودية أن تتعامل بمنافسة موضوعية في سوق عمل توفر هذه الدرجة العادلة من المنافسة. وهنا يمكن الحد من تأثير الاعتبارات التراكمية على آلية السوق. ويتفق هذا التصرف مع مبدأ حرية الاقتصاد الذي ترتكز عليه آلية السوق، لأن تطبيق نظرية آلية السوق يفترض بالضرورة أن تتساوى العوامل الموضوعية التي تكوِّن جانبي العرض والطلب في السوق، وهذا ما لا يتحقق بفتح سوق العمل السعودية بدون قيود مسببة أمام العمالة الأجنبية التي تحكمها مستويات اقتصادية لا تتساوى بالتأكيد مع تلك السائدة في الاقتصاد السعودي. النقاط الساخنة التي تنتظرها حروف السعودة هي التأثير المباشر على جانب العرض الكلي للعمل في سوق العمل السعودية حتى يمكن أن يكون لعرض العمالة السعودية الفرصة العادلة لمقابلة الطلب. عندئذ ستشع حروف السعودة نوراً تتوارى خلفه البطالة وإفرازاتها.

(*) رئيس دار الدراسات الاقتصادية الرياض

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved