الخاتمة:
هذه مقدمة عن نشأة النقد الحديث في المملكة العربية السعودية، ولم أتعرض لما قبل ظهور النقد الحديث، فالنقد الحديث ظهر في هذه الفترة التي حددناها، أو حددت نفسها بقدوم القرن الخامس عشر الهجري، في العقدين الأخيرين من القرن العشرين الميلادي. وقام هذا النقد على أسس وركائز لم تكن معروفة في النقد الأدبي في هذه البلاد، وقبلها البلاد العربية، قبل بداية القرن العشرين، وكان لدراسة النقاد في الغرب دور كبير في ظهور بعض التيارات النقدية التي ظهرت في النقد الغربي، ولم يكن النقد في معناه العام بغائب عن الساحة الأدبية منذ بداية النهضة، لكنه نقد تقليدي متوارث، ليس فيه من تجديد، ولا يعني ذلك أن الحداثة بكل أنماطها ومعطياتها قد نجحت في النقد الأدبي أو في الإبداع الأدبي. لقد حاول أنصارها ومريدوها عن علم أو بدونه أن يجدوا لها مكاناً في الأدب العربي، إلا أن هذا الأدب قد استعصى عليها وتمرد. ومما لا يخفى على الدارسين والنقاد أن الخلط العجيب الذي انتشر في بداية النقد الحديث، في مطلع القرن الخامس عشر الهجري، بين الحديث والحداثة قد زال عن أذهان الكثير من الذين يظنون أنهما شيء واحد. ولم يرفض النقد العربي التحديث، بل أخذ به وتعامل معه تعاملاً حسناً، وأنشأ وأبدع من خلاله أدباً حديثاً مواكباً للآداب العربية والغربية، ولكل أدب خصوصياته ومذاهبه العامة والخاصة، أما العامة فالحق فيها مشاع لكل الأطراف، أما الخاصة فلا اعتقد أن بعضها يرضى عن كل شيء يتبعه الآخر، وتلك خصوصية الأدب.
وقد تعرضنا في هذا البحث إلى عدد من الاتجاهات النقدية، بعضها لم يكن معروفاً في الدراسات النقدية التقليدية، القائمة على قراءة النص المنقود، أو دراستة دراسة تاريخية، مع أنني لم ابتعد عن هذا المنهج النقدي، لكن أدخلت عليه نوعاً من التجديد، مما وجدت أنه مناسب ولم يدرس. ووجدت أن النصوص الإبداعية بعضها، إن لم يكن كلها تطرح فكراً نقدياً، أكثر ملاءمة للحياة العامة من النقد الموجه، فعفوية المبدع تبعده عن التكلف النقدي في الكثير من الحالات، مع أننا لا نطالب المبدع بأن يكون ناقداً مؤدلجاً أو أكاديمياً موجهاً بنظريات وقوانين نقدية لكني وجدت الذوق النقدي في الإبداع يقترب من الذوق النقدي الخالص، فالمعالجة والإسقاط والرمز، كلها أنواع جيدة في العملية النقدية، لذلك تعاملت معها على أنها نقد للواقع، أيا كان وضعه.
وبما أن الحداثة قد ظهرت في النقد الأدبي كما هي في الإبداع «نثراً وشعراً» في هذه الحقبة، فمن حق النقد علينا التعرض لها ولأصحابها وما دار حولها من الطرفين، التأييد والرفض قبل أن تحكم على نفسها، لأن المناخ العام ليس مهيئاً لها، فكما سقطت في منبتها، سقطت في مهجرها.
ووجدنا أن النقد تحكمه الظروف والمعطيات والطبيعة البحثية، فالنقد الأكاديمي له من الأحكام ما يجعل منه قالباً خاصاً يتعامل مع النص والمادة العلمية تعاملاً يخضع للقوانين أكثر من خضوعه للذوق والاستقراء الحر، لذا تتركز دراسته حول المادة العلمية المدروسة، حسب القوانين العلمية، فيمكن ان تدرس المادة علمياً في جامعة، لكن الجامعة الأخرى لا تجيز دراستها، لسبب أو لآخر. لذا يكون هذا النقد موجهاً في اتجاه واحد، مما يقلل من قيمته.
وعلى النقيض من ذلك الاتجاه، ظهرت الدراسة الخاصة، والخاصة هنا تعني الحرة، فقد تكون خاصة أو عامة، لكن المهم في الأمر، وجود أكبر مساحة من الحرية يستطيع الناقد أن يتحرك فيها ويعطي رأيه، حسب القناعة الشخصية، ولا يجد الناقد من يشاركه في العمل برؤية مختلفة.
ومن النقد الخاص أيضاً، نقد الرأي الآخر، وهذا النقد هو الذي يعطي الناقد حرية أوسع في التناول، قد لا توجد في المحاور التي ذكرناها من قبل. ويتميز هذا النوع عن غيره بصدوره في كتب خاصة بمؤلفيها، بعيداً عن التقيد بأية جهة أخرى لها توجهات ومرامٍ تختلف عن توجهات الناقد، لذا تكون المسؤولية أولاً وأخيراً على عاتق الناقد نفسه.
ونجد أن المقال النقدي قد حصل على حقه من الانتشار في الصحافة الأدبية من خلال الدوريات والمجلات الأدبية. وشهدت هذه الفترة من الزمان ظهور عدد كبير من المجلات المتخصصة في المجال الأدبي النقدي، ومعظم هذه الدوريات تصدر على هيئة كتب عن النوادي الأدبية المنتشرة في أرجاء المملكة، ولم تأل هذه النوادي جهداً في إصدارها وتنويعها بالمادة العلمية والنقدية والإبداعية.
وقد أوردت بعضاً منها، ولا يعني ذلك أن ما أوردته يفوق مالم أورده، أو أن ما ذكرته يمثل كل نتاج الدورية، كلا، فهذه مقدمة لدراسة أكبر في المستقبل، وسيكون فيها نتاج كل جهة ثقافية بالتفصيل.
فدورية عكاظ من أقدم الدوريات، وما تزال تصدر عن النادي الأدبي في محافظة الطائف، ولها الأيادي البيضاء في الإبداع ونقده. وكذا بيادر في نادي أبها، ومرافئ عن نادي جازان الأدبي.
وسيكتمل الحديث عنها في حينه، بإذن الله.
|