Thursday 1st August,200210899العددالخميس 22 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

مولود شرعي مولود شرعي
لبنى وجدي الطحلاوي

طرح علي سؤال ضمن استطلاع للرأي، من إحدى الصحف المحلية وطرح علي نفس السؤال من جهة إعلامية لدولة عربية شقيقة السؤال هو: هل أنت مع استمرار الانتفاضة والعمليات الاستشهادية أم ضد استمرار ذلك؟
لا استطيع الاجابة على هذا السؤال لسببين رئيسيين وجوهريين، السبب الأول: لا أنا ولا أحد يملك الحق في الإجابة على هذا السؤال لأن من عليه أن يجيب هم من تسحقهم مجنزرات الدبابات الإسرائيلية، وتهدم منازلهم الجرافات ويدفنون وهم أحياء تحت الأنقاض وتدكهم طائرات الأباتشي والإف 16 الأمريكية، ويسقط منهم الشهداء كل يوم وكل ساعة «لا من يشاهد ذلك عبر الفضائيات».
السبب الثاني: هناك سؤال غائب عن الساحة الإعلامية العربية من الأجدر طرحه وهو: من أي واقع خرجت الانتفاضة والعمليات الاستشهادية أولاً؟..
لأن هذا السؤال الذي طرح علي هو تكرار لأخطاء الإعلام العربي الذي كرس نفسه بعد أحداث 11 من سبتمبر للدفاع عن الإسلام والمسلمين وكأن الإسلام والمسلمين متورطون بالفعل في الأمر، وغاب عن الإعلام العربي أنه مثلما وجدت إسرائيل وأمريكا فرصتهما الذهبية من وراء أحداث 11 من سبتمبر للنيل من الإسلام والمسلمين وإطلاق يدهما في القتل والتدمير للمسلمين بلا رحمة ولا ضمير بحجة «محاربة الإرهاب» فقتل آلاف المدنيين والأبرياء في أفغانستان وهدمت منازل وسحقت قرى بأكملها وجددت إسرائيل مجازرها في حق الفلسطينيين والمسلمين من جديد على يد شارون بطل مجازر صبرا وشاتيلا.
والآن مجازر جنين ونابلس وغزة.. والبقية تأتي.
أين الإعلام العربي وتبني استراتيجية إعلامية موحدة لمواجهة أمور بهذه الخطورة ومصيرية تواجه الأمة بأكملها؟ لماذا لم يتبن الإعلام العربي موقفاً موحداً وهو التركيز على ممارسات السياسة الخارجية الأمريكية وفيما يتعلق بالشأن العربي وقضية العرب والمسلمين الأولى «فلسطين والقدس».
ومسببات أحداث سبتمبر وخلفياتها، حتى نتحدث الآن من أي واقع خرجت الانتفاضة والعمليات الاستشهادية، لا يمكن تكرار الأخطاء، وهي تناول النتائج وإغفال مسبباتها لأن مسببات الأحداث الخطيرة التي حدثت هو جوهر المشكلة وما دامت المسببات باقية فنتائجها وردود أفعالها باقية أيضاً وكلما طال الزمن اشتدت الأمور حدة وعنفاً ووصلت إلى حد الانفجار.
إن الانتفاضة والعمليات الاستشهادية «ابن شرعي» لخمسين عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي وخمسين عاماً من الذل والقهر والحقوق المغتصبة وعجز المجتمع الدولي ومجلس الأمن والأمم المتحدة ووليدة الفيتو الأمريكي الدائم في مجلس الأمن في وجه أي قرار ملزم أو مدين لإسرائيل ووليدة الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل ووضعها دولة فوق القانون لا من يدينها ولا من يردعها ولا من يحاسبها ترتكب المجازر والتصفية العرقية في وضح النهار، إن الانتفاضة والعمليات الاستشهادية «الوليد الشرعي» لإجهاض جميع مبادرات ومعاهدات السلام التي طرحت على الساحة السياسية، في أوسلو ومدريد وطابا ووادي ريفر وشرم الشيخ والتي كانت ومازالت أصحابها الحقيقيون وأبطالها الوحيدون هم العرب.
ووليدة المجازر التي لم يشهد مثلها التاريخ من قبل في دير ياسين والحرم الإبراهيمي وسيناء وصبرا وشاتيلا وقانا ونابلس وجنين وغزة مؤخراً.
إن ما تقوم به إسرائيل فاق النازية والفاشية والبربرية وهو أسوأ ما سجل تاريخ الاجرام من فظائع ترتكب في حق الإنسانية.
صنع الغرب وأمريكا مصطلحات عديدة واتخذوها قوانين ومبادئ إلى حد كبير من التقديس، والآن تعتبرها أمريكا مصطلحات منتهية الصلاحية «Expire» لأنها أصبحت لا تناسبها، فمصطلح «الأدلة السرية» بديل عن الديمقراطية «ومحاربة الإرهاب» بديل عن احترام حقوق الإنسان والمطالبة «بالاصلاحات الداخلية وعزل الحكام» هو البديل لاحترام سيادة الدولة وعدم التدخل في شؤونها وسياستها الداخلية، لماذا لا يطالب العرب بإصلاحات داخل إسرائيل وعزل شارون؟ فأصبح إخفاء حقائق في ملفات 11 سبتمبر تدين أمريكا وتفضح تواطؤاً أمريكياً داخلياً خالصاً ضمن مفهوم ديمقراطيتها العرجاء، وقتل آلاف الأبرياء في أفغانستان وقتل آلاف الأسرى في السجون وترحيل المئات من تلك الكائنات التي وضعت في أقفاص «جوانتانامو» دون دليل أو تهمة محددة ودون محاكمة فلا منظمة حقوق الإنسان تتحدث عنهم وتشفق على حالهم وتطالب بتطبيق القوانين المتعارف عليها دولياً معهم، وفقاً لاتفاقيات جنيف التي تتعلق بأسرى الحروب، ولا منظمة حقوق الحيوان.. تحت مصطلح محاربة الإرهاب، ودعم إسرائيل في رغبتها عزل رئيس منتخب شرعاً وقانوناً من شعبه بحجة المطالبة بإصلاحات داخلية، فهل أمريكا وإسرائيل يملكان الحق في تقرير مصير الشعب الفلسطيني واختيار قادته؟ أليس هذا انتهاكاً صارخاً لاحترام إرادة الشعوب، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول وانتهاك سيادتها.
تسعى أمريكا لتجنيد جنرالات لها داخل أفغانستان كما تسعى إسرائيل لتجنيد جنرالات لها داخل فلسطين أسوة «بجنرالات حكومة فيشي» التي عينتها قوات الاحتلال الألمانية بفرنسا في غضون الحرب العالمية، وغاب عنهما أن الشعب الأفغاني والشعب الفلسطيني أكثر شعوب الأرض مقاومة وجهاداً من أجل أرضهما ودينهما لا يقبلان الغرباء ولا يطيقان الدخلاء، إنهما شعبان عاشا المقاومة والجهاد أزمنة طويلة حتى بات الاستشهاد أمنية وغاية لديهما يقدمان من أجله الدماء والأرواح رخيصة.
والآن «المحكمة الجنائية الدولية» تبحث الاعتداءات والممارسات الإرهابية التي حدثت مؤخراً في غزة من قبل إسرائيل لتجريمها واعتبارها جريمة حرب، نظراً لأن جميع ضحاياها من المدنيين والأطفال، ولكن أخشى ما أخشاه حالي كحال كل عربي مسلم يقرأ الأحداث جيداً ويعيش الواقع ويستشعر المستقبل من خلال الخبرات السابقة وما يؤول إليه كل قرار يتعلق بإسرائيل، فتواجه القرارات التي يمكن أن تتمخض عنها المحكمة نفس المصير الذي آل إليه فريق «تقصي الحقائق» للأمم المتحدة الذي اعترضت عليه إسرائيل وتم حله من قبل كوفي عنان، لقد تعلمنا من الأحداث والمواقف السابقة أن إسرائيل في جميع معاركها داخل المنظمات والهيئات الدولية «وهي جانية ومعتدية» تتحول إلى القاضي الذي يصدر القرارات ويلغي الأحكام ويطاع..

ص.ب 4584 جدة 214215
فاكس 6066701

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved