تركي بن عطيشان:
إنه أحد رجلات الملك عبدالعزيز، وواحد من الرواد الأوائل الذين سطروا في تاريخنا من صفحات الوحدة واللحمة والإخلاص، وبالذات تاريخ الجزء الشرقي الجنوبي من البلاد، أنصع الصفحات وأبيضها. إنه من ذلك الجيل الذي أعطى رجاله فبقيت أعطياتهم، وذهبت أعطيات غيرهم. وغرسوا، وهاهو غرسهم قد أينع قطافه، نتفيأ ظلاله، وننعم في أمنه واستقراره.. كان «ابن عطيشان» رجلاً كبيراً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فوضه الملك عبدالعزيز على الجزء المحاذي من الشرق للربع الخالي إبان ملحمة التوحيد، فكان نعم من تكل إليه أمورك، ومن تفوض إليه شأناً من شؤونك. كان سياسياً حاذقاً، يعرف من أين تؤتى الأمور، ومن أين تؤكل الكتف. لم يكن وقتها هناك أية أدوات اتصال، لذلك كان مضطراً وهو يتنقل بين رمال شرق الربع الخالي لاتخاذ القرارات دون الرجوع إلى الملك عبدالعزيز، وكانت كل قراراته قرارات الحكيم الذي لا يرد له رأي، والفارس الذي لا يشق له غبار. وكان أمامه «الإنجليز» بكل دهائهم وخبثهم وتاريخهم الاستعماري، فتعامل معهم تعامل الند الخبير، فأذهلهم وأعجزهم وأعجز كل خبرائهم. إنه واحد من الرواد الكبار في ملحمة الوحدة والتوحيد..
عبدالكريم الجهيمان:
ارتبط بالأرض ارتباط العرار بثرى نجد. عشق تراث أرضه، فوهب له عمره وجهده وقلمه. بحث ونقب و محص، فقدم لنا منجزات ثقافية في عدد من المجلدات، تعجز عن تقديمها أكبر المؤسسات العلمية اليوم.
ويكفيه فخراً أنه أصدر «لوحده» موسوعة «الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية» في عشر مجلدات ضخمة، في حين عجز الآخرون من «دكاترة» جامعاتنا عن تقديم ما يبرر صدقية شهاداتهم. ووثق انتروبولوجيا «الأسطورة» في قلب الجزيرة العربية في سفره الضخم «أساطير من قلب الجزيرة العربية»، في زمن كان فيه كل «شعبي» محتقر.. وكتب عن الوطن، بنكهة الوطن، ومن أجل الوطن، حينما كان مثقفونا يتفانون في إرضاء الآخر العربي في الشمال، واستجداء بركاته، عسى ولعل أن يهبهم ولو شبه اعتراف من خلال التفاتة!..
ويأبى هذا الرائد الكبير إلا أن يضرب لنا إضاءة أخرى من إضاءاته الوطنية، وهو شيخ طاعن في السن، مثلما ضربها لنا مراراً وتكراراً وهو في ريعان الشباب، أو في عصر النضوج والعطاء: لقد جمع كل حصيلة حياته المالية، واستأذن أبناءه، وتبرع بها كاملة لبناء مدرسة!، في الوقت الذي يعزف فيه الكثير من «زناقلة» الملايين في البلاد عن الاستثمار داخل الوطن.. ربما لم ننصف عبدالكريم الجهيمان كما ينبغي، إنما الذي أنا متأكد منه أن المستقبل سينصفه دونما أي شك، وسيصبح هذا العلم واحداً من أهم الرجال الذين عطروا تاريخنا ذات صباح..
عبدالرحمن بن سعيد:
نفتخر الآن أن كرتنا السعودية قد بلغت العالمية، بعد أن تربعت على عرش زعامة أكبر قارة في العالم، أو القارة العجوز كما يسمونها، لأكثر من عقد من الزمن. لم يأت هذا الإنجاز الحضاري صدفة، وإنما كان نتيجة لمسيرة طويلة قادها رجال رواد بكل ما تحمله الكلمة من مدلولات. ويأتي ضمن هؤلاء عبدالرحمن بن سعيد. رجل أحب الرياضة والكرة، فأعطى كل مراحل عمره للرياضة في عشيقته الرياض. ابتدأ في زمنٍ كان ينظر فيه للرياضة بدونية واحتقار، غير أن الرجال الكبار هم في النهاية رواد، والرائد لا يرضخ للزمن، إنما هو الذي يعيد صياغة الزمن، وهذا ما أنجزه بالتمام والكمال عبدالرحمن بن سعيد. وكأني به عندما يعتلي منصات التتويج أي منتخب، أو فريق سعودي، يتذكر كيف كانت الرياضة عندما شمر عن ساعديه ذات يوم، وكيف هي الآن، فيشعر أن ما بذره هو وأقرانه قبل قرابة نصف قرنٍ من التاريخ هاهو يثمر مجداً، ورفعة، وعزة لوطنه الذي أحبه وتفانى من أجله..
|