حب الذات وتنزيهها من الشوائب وتبرئتها من الأخطاء من طبيعة البشر، فكل إنسان يرى في الغالب أنه يتصرف بحكمه ويفكر بذكاء ويتعامل مع الناس وأمور الحياة بلطف ومرونة وأنه يعطي كل ذي حق حقه، وليس هذا فحسب بل إن البعض يتجاوز هذه الخطوط في موازين ذاته إلى تحميل الآخرين تبعات الأخطاء التي يقع بها أو الذنوب التي يقترفها وكأنه يضع نفسه فوق طبيعة البشر ويقدمها كنموذج للإنسانية المثالية، فهو إن قدم عملاً صحيحاً ففي رأيه لأن مثله لا بد أن يتصرف بمثل ذلك، وان وقع في الخطأ فلا يرى ذلك خطأ بالضرورة ويبرر الأمر على أن في المسألة سوء فهم وأن عقول المحيطين لا تدرك مقاصده ولا ترقى إلى مستوى فهمه لتقيس الأمور على وجهها الصحيح كما يفعل هو، فعشقه وحبه الطاغي لذاته أسقط من عينه وفكره كل المحاذير والاعتبارات في التعامل مع الغير حتى في الأمور البديهية والمسلمات وما اتفق عليه عرفاً مما لايحتاج إلى جدليه أو نقاش أو تبرير لتأكيد صحته من خطئه غير ان هذا النرجسي دائماً له رأي آخر، والغريب أنه يفترض من الناس اللطف معه والصفح عنه حين يرون منه ما لايرغبون معتبراً ذلك أمراً بسيطاً لا يحتمل المحاسبة والتدقيق في حين يكون فيه هو شديد العقاب في أدنى من ذلك مع الآخرين، والانكى أنه يكون في مجالس الرجال دائماً من الشامتين يستهزئ بكل قول وحديث يطرح على الجالسين ويسِّفه كل رأي وفكرة تصدر منهم رغم أنه كان يتمنى أن يكون هو من طرحها أولاً، ولإحساسه بعدم القبول من محيطيه يحاول أن يثبت لنفسه أنه موجود ويتحدث ويجالس البشر ولكنه يقنع نفسه باسلوب شاذ ممقوت بانتهاجه الاعتراض على كل شيء والجدال المستميت الفج من أجل إظهار صوته بين المتحدثين، حتى في مسألة الطرف والنكت تجده يقهقه لنكتته ويحجم حتى عن الابتسامة عندما يلقي أحدهم أو يقدم نكتة جديدة محترمة فاخرة يتناقلها الظرفاء وغيرهم.
|