Thursday 25th July,200210892العددالخميس 15 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

تساؤلات؟ تساؤلات؟
ثقافة المجسمات
منصور الجهني

لا أشير تحديدا إلى تلك الظاهرة التي برزت في وقت ما بشكل لافت، وذلك عندما بدأت مدننا وقرانا تتسابق في نصب العديد من المجسمات الجمالية في الطرق والساحات، وبشكل شبه عشوائي، حيث يبدو العديد منها منفصلا عن ذاكرة المكان، وعن سمات الفضاء المحيط به، وكانت اشبه بعملية كولاج غرائبي تعتمد خاصية القص واللزق لملء فراغات اللوحة، وتعويض غياب الرؤية الواضحة أو ربما التخطيط في عملية التشكيل أو البناء.
هذه العملية كان يمكن أن تكون مقبولة فيما لو كانت تمثل اللمسات الاخيرة لاكمال المشهد، أو فيما لو كانت محاولة لاستثمار الفائض من عملية البناء بشكل جمالي، يؤطر مثالية اللوحة.
لكن ما يحدث أن ذلك غالبا ما يتم على خلفية غير مهيأة وتفتقد التأسيس.. وهو ما يمكن اكتشافه بعد وقت طويل، أي بعد أن يجف نبع الالوان الصارخة، التي كانت تعشي الرؤية، وتحجب ما خلف بريق الواجهات، حيث يبقى الهيكل عارياً في مواجهة التساؤلات المرة.. كم من الامكانات اهدرت على هذه (المنجزات) الصورية أو الاعلامية.. بينما لا يزال هذا الحي- على المريخ- ينتظر الماء منذ عشرين سنة؟
لا يعنيني هذا الموضوع بذاته، إنما باعتباره نموذجا يتجاوز ما هو ملموس أو مادي- المجسم- إلى ما هو بنيوي.. اجتماعي، ثقافي، حضاري.. الخ، حيث يتم غالبا الاهتمام بالآني أو الوقتي على حساب الاستراتيجي، بالسطحي أو المناسباتي، على حساب المنهجي، وربما تحديدا بالجانب الاعلامي- للمشروع- من خلال تركيز الضوء على الهيكل، أو التجهيز، أو الامكانات.. الخ في اشارة إلى تميز الانجاز، وكأن التجسيد المادي للفكرة هو الهدف وهو ما يجعل العديد من المشاريع تبدو كما لو أنها مقصودة لذاتها، أو كما لو أنها تولد مكتملة منذ البدء، وهو ما يؤدي مع مرور الوقت إلى انفصالها التدريجي عن سياقاتها، وبالتالي يجعلها مفتقدة الحيوية، وعاجزة عن مواكبة واستيعاب التحولات المستمرة والتكيف معها، على اعتبار أنه ليس بعد الاكتمال سوى التراجع أو التناقص.
هذا لا يعني بالتأكيد غياب الرؤى أو الاهداف، لكن يعني أنه يتم التعامل معها أحيانا كما لو أنها نتيجة حتمية وليست سببا، بمعنى أن تحققها امر تلقائي، يعكسه توفر الامكانات، أو ربما باعتبارها مجرد صدى فيزيائي لصوت المنجز الصاخب، أو الشاهد أو الماثل.
وافراطا في الاشادة عادة ما نشير إلى تلك المنجزات بصفات مثل صروح- وقد تكون ممردة من قوارير- أو معالم، أو شواهد، وبعيدا عن المعاني القاموسية لهذه المفردات، اشير إلى أن لها ايحاءاتها العديدة التي يمكن ربطها ببعض القيم الثقافية السائدة، خاصة اعطاء قيمة أكبر لما هو ماضوي، تراثي، تاريخي، عدا ما تشير إليه من انغلاق، واكتفاء، وتحصين، في مواجهة الآخر، أو الجديد.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved