Wednesday 24th July,200210891العددالاربعاء 14 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

أحمد بن سلمان كما عرفته أحمد بن سلمان كما عرفته
محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

لا أدري من أين أبدأ، ولا كيف أتناول هذا الموضوع. فلم أكن أتصور أن أكتب لأرثي أحمد بن سلمان، ولم يدر في خلدي يوماً أنني سأرثيه، لا والله، فالمصيبة أكبر مما أتصور، والكلمات تعجز وتتهاوى، والمعاني أقل من أن تلبي ما يدور في الأعماق..عرفته منذ الطفولة، درسنا سوية، حتى افترقنا بعد التوجيهية، هو ذهب إلى أمريكا وبقيت أنا في الرياض. وتطورت علاقة الزمالة إلى صداقة، ثم التقيت به في الحياة العملية بعد عودته من أمريكا، وأمضيت معه أكثر من ست سنوات أعمل بجانبه، كانت بحق من أثرى وأعمق وأجمل سني حياتي.
كان - رحمه الله - كريماً سخياً، يتمتع بخلق رفيع، وتضرب به الأمثال في الأريحية، أو كما يسمونها «الفزعة»، ولا يرد من أتاه باذلاً جاهه وماله.. يكفي فقط أن يقتنع بما أمامه، ليعطي كل ما بيده، وكل ما يمكن أن يقوم به من هو في مقامه لمساعدة محتاج، أو انتصار لمظلوم، وأتذكر أنه قال لي مرة: «عندما أقف مع إنسان في حاجة، أشعر أن إنسانيتي في أرقى تجلياتها، فأنام تلك الليلة وأنا قرير العين!». وكان دائماً إنساناً بكل ما تحمله الكلمة من معنى - رحمه الله -!..
وعندما أسندت إليه مهمة رئاسة إدارة الشركة السعودية للأبحاث والتسويق القابضة، شعر بالفعل بحجم المسؤولية، غير أنه كان نشواناً كعادته بالتحدي الذي أمامه، وكان بالفعل نعم من يقوم بالمسؤولية، وخير من توكل إليه الأمور. ففي عهده أصبحت هذه المنشأة الإعلامية من أكبر وأهم المنشآت الصحفية الناطقة بالعربية على الإطلاق. وليس لدي أدنى شك أن دوراً محورياً كان قد اضطلع به شخصياً في تفعيلها وتطوير أدواتها، منذ أن استلمها، حتى انتهت إلى ما هي عليه الآن.
ورغم أنه يقف على رأس هذه المنشأة الإعلامية العملاقة، إلا أنه كان يكره الأضواء، ويحاول دائماً أن ينأى بنفسه عنها.. وبحكم منصبه في قمة هذه المنشأة، فقد كان يواجه من الإحراجات والشكاوى والاعتراضات الشيء الكثير، غير أنه كان دائماً يجيد إرضاء كل الأطراف، في نفس الوقت، دون أن يؤثر على مسار مطبوعات الشركة واستراتيجياتها الإعلامية.ومن أميز ما يتميز به الأمير أحمد، والتي ربما لا يعرفها عنه إلا قلة قليلة ممن عملوا معه، إيمانه العميق بالإدارة من خلال فريق العمل، كان هناك دائماً رجال حوله، يجتمع بهم، ويناقش معهم القرار المزمع اتخاذه، بمنتهى الوضوح والشفافية، وعندما يصل إلى قناعة، تراه، وبثقة، أمضى من السيف في اتخاذ القرار والإصرار عليه، والذهاب إلى النهاية في تنفيذه.ولعل من أهم مزاياه، أيضاً، حرصه الدائم على تحمل المسؤولية، حتى عن تلك الأخطاء التي يتسبب فيها أحد العاملين معه. ذهب إلى رؤساء دول، وتحدث مع كبراء القوم، وخاطب من هم في مقامه أو أدنى أو أعلى، لمجرد أن يعيد المياه إلى مجاريها إثر تَصُورِ آخر أن ثمة خطأ ما انطوى عليه خبر هنا أو مقال هناك، فيمتص غضبَ هذا أو تذمر ذاك بمنتهى الدبلوماسية والتمكن.
وسيرته حافلة بمثل هذه الأعمال التي لا يعرفها عنه إلا القلة القليلة، وكان يحرص رحمه الله على أبقاء جهوده هذه في الظل وبعيداً عن النشر والأضواء.
ولا يمكن الحديث عن الأمير أحمد، دون الحديث عن عشقه للخيل، وولعه بالفروسية، كانت هذه هوايته الأثيرة، والمقربة إلى نفسه. إذا ما تحدث فيها، أو عنها، تنفتح أساريره، وتعلو وجهه البهجة والمتعة. وقد كان له في ميادينها القدح المعلى، فقد حقق من النجاحات والانتصارات محلياً وعالمياً ما جعله واحداً من ملاكها التاريخيين الذين حفروا أسماءهم في سجلاتها بماء من ذهب..
ذهب أحمد بن سلمان عن عالمنا إلى رحمة الله، وأكاد أجزم أن رجالاً وليس أطفالاً فحسب، قد تيتمت برحيله، وقلوباً قد تفطرت وهي تتلقى خبر هذه الفجيعة، وبيوتاً تكاد ردهاتها أن تقفر برحيله.. لقد كان أباً للصغير، وأخاً وابناً للكبير، وقبل كل ذلك كان إنساناً يعبق بكل معاني الوفاء والكرم والأريحية والرجولة. رحمك الله، وابدلك داراً خيراً من دارك أيها الغالي.

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved