لابد أننا نلمس انقطاع التواتر التاريخي المحلي في عصرنا الحديث، نتيجة لعدد من العوامل والظروف التي قد يكون من أهمها تغير النمطية الإنتاجية لدينا من شكلها الزراعي والرعوي البسيط وتحولها إلى الشكل الريعي المعتمد كلياً على سلعة النفط كمنتج وحيد، وهذا التغير في أساليب الإنتاج انعكس بدوره على العديد من النواحي الاقتصادية والفكرية والثقافية في المجتمع.
فغياب حقبة معينة بجميع تفاصيلها وشروطها وصيغها، ومن ثم بروز حقبة أخرى بشكل منقطع عن الأول، يجعلنا نشعر بحاجة ملحة إلى ما يسمى بالتوثيق والتاريخ لمراحل مهمة من مراحل المملكة التأسيسية وتلك المراحل المليئة بالصعوبات والمشاق والتي رسمت الشكل الأولي والمبدئي لما نحن عليه الآن.
وأهمية التوثيق هنا تنطلق من التجربة الفريدة والقاسية التي عاناها الرواد في مرحلة التأسيس، والكيفية التي حفروا من خلالها الصخر وقبضوا على الجمر لدفع هذا المكان وسكانه إلى مشارف العالم الجديد.
ولعلّ د. عبدالرحمن الشبيلي في كتابه (صفحات وثائقية من تاريخ الإعلام في الجزيرة العربية) الذي صدر هذا العام، يحمل في طياته الكثير من الجهد المميز في هذا المجال.
فيتكون الكتاب من خمس وعشرين مبحثاً سعى فيها المؤلف إلى التقاط الخيوط الأولى التي تنتظم الشبكة الإعلامية المحلية.
ولعلّ من الأمور التي هيأت للمؤلف المادة الإعلامية الثرية كونه هو نفسه أحد الأكادميين المهمين في المجال الإعلامي المحلي إضافة لشغله عدداً من المناصب الإعلامية المهمة التي قد يكون من أهمها مدير عام التلفزيون إضافة إلى عضويته للمجلس الأعلى للإعلام.
ومن خلال هذه الخلفية الإعلامية الثرية قدم د. الشبيلي كتابه الذي احتوى على:
أسرة الزهير تمتهن الصحافة قبل تسعين عاما، يونس بحري الذي شغل الناس أيام هتلر، أول مطبوعة كويتية يصدرها عبدالعزيز الرشيد، الرياض وبدايات الإعلام، عيسى صباغ أمير الميكرفون، منير شماء الإذاعي الفلسطيني الشامخ، عبدالله فيلبي أول صحفي غربي مقيم في الجزيرة، عبداللطيف الثنيان الصحفي العراقي النجدي، عبدالله الحمدان وسرور صبان ودورهما في الصحافة والنشر، محمد بن جبير أقدم أعضاء المجلس الأعلى للإعلام، الشاعر الكويتي اليوبي مبعوث الملك عبدالعزيز، الرسائل المتبادلة بين الملك عبدالعزيز ونجيب الريحاني، السلام الملكي، عبدالعزيز العتيقي، المستشرق النمساوي محمد أسد...
وسوى هذا العديد من الأبواب والموضوعات الشيقة التي تجعل قراءة هذا الكتاب والعيش بين صفحاته رحلة ممتعة على المستوى الإعلامي والتاريخي معا....
|