Tuesday 23rd July,200210890العددالثلاثاء 13 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

إضاءة إضاءة
التحدي الحضاري ودور الشباب
شاكر سليمان شكوري

باختصار شديد يمكن تصور الصراع العالمي الدائر حالياً على أنه طرح لتحد حضاري أمام الأفراد والأمم، مبعثه عودة أحلام الإمبراطورية القديمة إلى وجدان الساسة الجدد. هؤلاء الذين يرون العالم - أمام قوتهم الضاربة اقتصادياً وعسكرياً، والأهم من ذلك معرفياً - يرون العالم أمامهم نصفين، أحدهما يتشكل من قوى متطورة تنزع إلى التوحد، بعد أن تقوى فُرادى بالعلم والعمل، وتفرض احترامها إلى حد الإصرار على المشاركة في صنع القرار العالمي وإن تك محدودة، وإن كان من هذا الفريق من يحلو له الانقياد، إلى حد اتهامه بالتبعية المطلقة بل والمشبوهة، لدائرة السيطرة وآلة الهيمنة الجديدة.
أما النصف الآخر من العالم في عيون الإمبراطور الجديد فهو ذلك الطرف الذي لا يرفض التبعية الكاملة، بل ربما إليها هو بمحض إرادته ودون أن يدري أحياناً، بأنه يتنازل رويداً رويداً عن دوره في المشاركة العالمية، خلوداً إلى الراحة والاستكانة إلى الضعف البشري في لحظات هوان الأمم.
وطبقاً لهذا التصنيف والاستتباعات الناجمة عن الأحداث العالمية الأخيرة، ودون جدليات طويلة، يمكن القول بأن العالم الإسلامي عامة والعربي خاصة يمران بمرحلة تاريخية فاصلة، يمكن أن تحسب سلباً أو ايجاباً على الوضع القائم، طبقاً لمدى استيعابنا - دولاً وأفراداً - للدروس المستفادة، والتي تمثل في الجانب المضيء ناقوساً ينبه بشدة إلى ما يجب عمله نحو التقدم والتحديث، دون أن تبرح أقدامنا ما تطمئن إليه عقول نخبنا المستنيرة في كل المجالات، وأخص منها أننا نملك أدوات الصناعة ومواردها، والقوى البشرية التي لم تمنح الفرصة بعد، كي تقدم للعالم إفرازات عربية وإسلامية، مبنية على جينات الوراثة في خلايا الأجيال، منذ عصر ابن سينا والفارابي والزمخشري وجابر بن حيان وابن خلدون، إذا تهيأت لهم أسباب البحث والدراسة ومختبراتها، وإذا تضمنت مناهج تعليمهم خطة للتربية العقلية والنفسية والبدنية، أضلاعاً لمثلث التربية الروحية القائمة على الوسط العدل.
ويجب أن نطرح على أنفسنا بعد ذلك سؤالاً هاماً: لماذا لا نصنع متطلباتنا وغالباً ما نستوردها؟!! ويجب ألا تذهب الإجابة إلى ذمة التاريخ كما هو الحال حين نتكلم كثيراً ونفعل قليلاً أو لا نفعل.
وسؤالاً آخر قد يسبق السؤال الأول: نحن نملك أن نستخلص أرقى النظريات الإنسانية من واقع الاختيار الإلهي لأرضنا كي تكون محط رسالاته السماوية جل وعلا، ومنبت الأنبياء والرسل، وأن يكون نبينا صلى الله عليه وسلم وعلى سابقيه من الأنبياء والرسل، وعلى آله وبيته، وصحبه وتابعيه، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه منذ البعثة وحتى قيام الساعة، نبياً رسولاً خاتماً ارتضى الله ما بعثه به شرعاً للإنسانية كافة، والسؤال لماذا تقاعسنا عن حملة الهداية، وقصرنا في تلك الأمانة التي استودعنا الله إياها أرضاً وبشراً!! لنتذكر أن علينا إعادة تقديم نمط حياة إنسانية تعيد إلى البشر السعادة والطمأنينة في دنيا مضطربة بالصراعات المستطيرة التي قد لا يبقى شررها إذا اشتعل ولا يذر.
وعلينا بمثل ذلك أو أشد أن نسعى لاكتساب احترام العالم الذي لا يفهم لغة سوى القوة.. لا أعني القوة العسكرية الصارمة وحدها، بل القوة في كل أشكال الحياة، وقد يعوق مسيرة التحديث لمواكبة العصر، إدمان الجيل الكبير (سناً) على اختلاف مواقعهم الاجتماعية والثقافية، فهؤلاء قد يدمنون التعامل مع آلياتهم القديمة أو على الأقل يتهمون ببطء الحركة نحو الجديد من تلك الآليات. وأبسط دلالة على ذلك المقارنة بين أعداد الكبار وأعداد الشباب الذين يتعاطون مع أجهزة الحاسبات بمجالاتها المتعددة، والتي تمثل قاعدة البناء التقني للدولة الحديثة. سوف نفاجأ بالبون شاسعاً بين حجم الفريقين لحساب فريق الشباب طبعاً. وتبعاً لذلك فإن أية خطة عملية للتطوير والتحديث لابد أن تعتمد في معظم محاورها على أكتاف أولئك الشباب النابضين بدفء الحاضر وأحلام المستقبل.
وهل أذيع لكم سراً أيها الشباب على طول الوطن المستهدف، إذا قلت أن حماستكم للمشروع هي أكسير النجاح الحقيقي له، فمهما توفر من قنوات، وهيئت من فعاليات، ومهما حسنت النيات، يظل الأمر معتمداً في النهاية على إدراككم الواعي بأنه قد حان وقت الإفاقة من دوامات الرفاهية إلى حد الاتكالية، وأنكم إن لم تصنعوا لأنفسكم أسباب الحياة الكريمة، نزعاً - بالعلم والسهر - من أنياب التحدي وبراثن السهام الضارية. المتربصة بكم وبأمتكم، لن يهبكم أحد أسباب الحياة إلا بسعر باهظ لا يقبله المنهج الراسخ، والجبلة العربية الأصيلة فهل أنتم لهذا النزال المعرفي العملي مستعدون!!

 


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved