تعتبر قضية النصب والاحتيال التجاري من القضايا البارزة التي أصبحت تؤرق بال المواطن السعودي خاصة في ظل التطور الكبير في وسائل التقنية والاتصال التي ساهمت في تمكين المحتالين من الوصول الى كل بيت وكل مواطن بغض النظر عن موقعه الجغرافي. ولعل من أبرز صور النصب والاحتيال في هذه الايام تلك التي ترد عبر البريد الالكتروني او الرسائل البريدية والهاتفية من مختلف مناطق العالم وبشكل خاص من قارة افريقيا. وبغض النظر عن مضمون تلك الرسائل فانها قد استطاعت بالفعل الوصول وخداع بعض المواطنين ورجال الاعمال السعوديين الذين استجابوا للوعود الوهمية وسارعوا بالتفاعل مع متطلبات المحتالين فكانوا فريسة سهلة وفي بعض الاحيان دسمة لهؤلاء الدجالين دون ادراك منهم لطبيعة النهاية المأساوية التي تنتظرهم واذا كنا نؤمن بأن من خصائص هذه الظاهرة كونها عالمية المنهج ومجهولة المصدر، فاننا بالتأكيد نتساءل عن السبب الرئيس الذي يقف وراء انسياق المواطن السعودي خلف وعود المحتالين الوهمية وعن السبب الرئيس الذي يقف وراء استهداف هؤلاء المحتالين للمواطن السعودي تحديدا؟
في اعتقادي ان السبب الرئيس يتمثل في نقصان الثقافة الاقتصادية والتجارية لدى المواطن السعودي مما جعله لا يتعامل مع مكونات العملية التجارية بحس امني وتجاري متكامل.
لقد ساهم نقصان الثقافة الاقتصادية في جعل المواطن السعودي ينساق وبعفوية ظاهرة وراء الوعود المعسولة رغبة في تحقيق الكسب السريع دون ان يعي المخاطر الاقتصادية والاجتماعية والامنية التي قد تترتب على سلوكه الاقتصادي ولعل اكبر دليل على هذه العفوية المتزايدة لدى المواطن السعودي سهولة وقوعه في فخ المعاملات التجارية التي لا تمتلك رصيدا تجاريا على ارض الواقع كالمضاربات العقارية وقضايا التستر وما يرتبط بها من مخاطر متعددة والارقام الوهمية التي شاعت في الفترة الاخيرة بين المواطنين.
وبغض النظر عن طبيعة وأسلوب النصب والاحتيال التجاري، فاننا في الوقت الراهن نعيش حالة طوارىء عالمية لا ينفع معها حسن النية ولا يقبل معها جهل بالقانون مما يعني ضرورة العمل الجماعي لزيادة وعي المواطن ورجل الاعمال السعودي حتى لا يجد نفسه فجأة ممولا للارهاب او عضوا فاعلا في تنظيم معين او عنصرا نشطا في مجال غسل الاموال وتجارة المخدرات وهنا اجد من الضروري القول بأن التعاميم التي تصدرها وزارة الداخلية ووزارة التجارة ومجلس الغرف التجارية الصناعية على الرغم من اهميتها لا تكفي لتوضيح المخاطر الامنية والسياسية والاجتماعية فضلا عن الاقتصادية المترتبة على عمليات النصب والاحتيال نحتاج الى تفعيل العمل التوعوي حتى يدرك المواطن السعودي معنى رقم بطاقة الاحوال وبطاقة الائتمان وحتى يصبح المواطن السعودي يسعى خلف المعلومة الطائرة التي تساعده على فهم العملية التجارية قبل الشروع في تنفيذها. نحتاج الى عقد الندوات العلمية وورش العمل التخصصية التي تساعد المواطن ورجل الاعمال السعودي على تصور المخاطر قبل تخيل الارباح المالية المنتظرة وعلى الشك في بعض الاحيان قبل التسليم بالثقة المطلقة علينا ان نفكر في المخاطر المختلفة التي قد تنعكس على الوطن قبل ان نفكر في كيفية تعظيم المصلحة الاقتصادية حتى وان كانت في ظاهرها مصلحة وطنية مطلقة. وفي اعتقادي اننا جميعا ندرك خطورة الموقف العالمي الحالي الذي اشبه ما يكون بحالة الطوارىء العامة كما ندرك جميعا خطورة التركيبة الغريبة لسوق العمل السعودي مما يجعلنا في موقف اشد ما نكون فيه الى العمل الوطني الجماعي الذي يستهدف كشف مكونات الواقع وتوعية المواطن السعودي بمخاطره المختلفة. فهل يتحقق ذلك؟ الله اعلم.
(*) استاذ الاقتصاد المشارك بكلية الملك فهد الامنية |