Thursday 18th July,200210885العددالخميس 8 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب
فيصل بن علي الطميحي

أخطاء واضطرابات فادحة
أول عهدنا بكتاب طرفة الأصحاب كان أثناء الإعداد لبحث حول نقود دولة بني رسول في اليمن، وكان الاعتقاد أن اعتمادنا على هذا الكتاب سيكون كبيراً، وخاصة فيما يتعلق بنسب هذه الأسرة، غير أننا وجدنا فيه خلطاً كبيراً في كثير من المعلومات التي لا يستقيم نسبتها بأي حال من الأحوال، إلى الملك الأشرف عمر بن يوسف بن علي بن رسول، الذي أشارت المصادر إليه بأنه هو مؤلف الكتاب. وقد أدى بنا ذلك إلى الحذر الشديد في النقل منه، وما نقلناه كان قليلاً جداً وتعاملنا معه بحذر وحرص شديدين.
أثارت تلك المعلومات الشك في أن جزءاً من الكتاب وربما معظمه ليس من تأليف الملك الأشرف، وقد تيقنا من ذلك أثناء مضينا قدما في قراءة الكتاب، وأن هناك مؤلفاً آخر مجهول الهوية قد أضاف على الكتاب معلومات عدة لا تتفق مع عصر الملك الأشرف بتاتاً بل لاحقة لعصره. لقد اطلعنا على معظم النشرات الأخرى المطبوعة من الكتاب، فبعضها أقدم من النشرة التي لدينا وبعضها أحدث، وكنا نرجو من وراء ذلك أن نجد أحداً قد أدرك الاضطراب الحاصل في الكتاب، لكننا وجدنا أن جميع النشرات بذات التحقيق والتقديم ولم يحصل عليها أي تعديل سوى الاختلاف في ترقيم الصفحات، وعليه فقد اعتمدنا نشره الكتاب المؤرخة بعام 1992م الصادرة عن دار «صادر» ببيروت وجعلناها ركيزة لكتابتنا هذه وتعليقاتنا.
تعريف بكتاب الطرفة
هو كتاب متخصص في الأنساب، ومشهور في بابه. وينقسم الكتاب إلى قسمين، قسم كان الاعتماد فيه كلية على كتب الأنساب المصدرية المعروفة، وكان المصنف تارة يذكر اسم الكتاب الذي ينقل منه وتارة أخرى يشير إلى المؤلف الذي نقل عنه. «المقدمة ص، 2 ،3 ،20 ،48 ،57 ،67 ،68 ،77 ،81 ،88».
وهذا يعني أن هذا القسم لا جديد فيه، فمعلوماته مكررة وسيجدها المرء في الكتب المصدرية الأخرى التي تبحث في الأنساب.
أما القسم الثاني، وهو القسم الذي أشار المقدم إلى أهميته، فكان يبحث في انساب بني رسول وأشراف اليمن والحجاز والمخلاف السليماني «جازان» «ص38 من المقدمة»، وقد وجدنا في هذا القسم أغلاطاً واضطرابات عدة تعتري معلوماته وهو الأمر الذي رغبنا أن نلفت الأنظار إليه حتى لا يقع أحد في لبسٍ أو خطأ عند الاستناد عليه والنقل منه دونما تحقق أو تمحيص.
مؤلف الكتاب
في الحقيقة هو ليس مؤلفاً واحداً، بل ما وجدناه من خلال معلومات الكتاب بين لنا أن للطرفة مؤلفين اثنين، الأول هو الملك الأشرف عمر بن يوسف بن عمر بن رسول ثالث ملوك دولة بني رسول في اليمن، تولى الحكم في حياة أبيه الملك المظفر بعد أن أوصى له بالملك في عام 694هـ وظل قائماً بالأمر حتى وفاته في عام 696هـ. عرف عنه أنه اشتهر ببعض التأليفات في الأنساب وإجادته لبعض العلوم كالطب والفلك والتأليف فيهما «المقدمة صفحة 36». أما المؤلف الثاني، فنحن لا نعرف عنه شيئاً، فهو مجهول الهوية لكن أثره يظهر بكل وضوح في كتاب الطرفة من خلال المعلومات التي أضافها، وسنبين مواقعها، وقد يكون هذا الشخص معاصراً للملك الأشرف لكنه بالتأكيد كما سنرى، قد ظل حياً بعد وفاة الملك الأشرف بسنوات عدة.
محقق الكتاب
محقق الكتاب هو المستشرف ك.و. سترستين، عضو المجمع العلمي العربي، وقد كلفه المجمع بتحقيق هذا الكتاب تقريباً في الأربعينات الميلادية من القرن الماضي، اعتمد المحقق في تحقيق كتاب الطرفة على مقابلة نسخته التي أشار إليها «بالأصل» بنسختين أخريين، إحداهما محفوظة في خزانة بروسيا، أشار إليها بحرف «ب» والثانية محفوظة في المتحف البريطاني، وقد أشار إليها بالحرف «ل».
يذكر المحقق في إشارة إلى الصعوبات التي واجهته في تحقيق الكتاب «وبما أن هذا الكتاب يتضمن كثيراً من أسماء الرجال والنساء والقبائل والمواضع، وبعضها لا أثر له في الكتب المعروفة وغير مضبوطة في النسخ المخطوطة لم يمكنني ضبطها بالحركات، وتركت بعضها على علاته، فما لا يدرك كله لا يترك جله، والعلم بالبعض خير من الجهل بالكل» «مقدمة الطرفة ص 41» ونحن نقول إن هذا تدارك جميل من المحقق، ولكن ذلك لا يعفيه من تحمل تبعات قيامه بتحقيق كتاب الطرفة بعدم إدراك الخطأ والاضطراب الحاصلين في الكتاب، فلو رجع لبعض المؤلفات اليمنية التي تؤرخ لليمن في العصور الإسلامية الوسيطة لادرك ما يشوب كتاب الطرفة من أخطاء واضطرابات.
لم يدرك أيضاً مقدم الكتاب وواضع فهارسه ذلك الخطأ والاضطراب، واكتفى بوضع التقديم وفهارس الكتاب وإضافة بعض التعليقات القليلة جداً، أشار إليها بحرف «ص» للتمييز بينها وبين تعليقات المحقق «مقدمة الطرفة صفحة 40»، وحسب علمنا فإن أياً من الباحثين المحدثين لم يقف على الخطأ والاضطراب الحاصلين في كتاب الطرفة، مع العلم أنه كتاب كثير الرجوع إليه، وقد نشر لأول مرة عام 1949م «مقدمة الطرفة صفحة 40» ونشر بعد ذلك عدة مرات، ولا تختلف نشرات كتاب الطرفة عن بعضها كما ذكرنا، إلا باختلاف تاريخ النشر واختلاف أرقام الصفحات.
كتاب الطرفة لا يجوز اعتماده مرجعاً تاريخياً
مواقع الخطأ والاضطراب
يذكر المصنف في كتاب الطرفة في الصفحة التاسعة قائلاً: «وبطون حمير التي دخلت في الهان معروفة الآن ذكرهم الملك الأشرف بهذا كتابه». كانت هذه العبارة رغم ركاكتها، هي أول ما أثار اهتمامنا أثناء اطلاعنا على الكتاب لأول مرة، فاستخدام ضمير الغائب في الفعل الماضي «ذكرهم» وكذلك في كلمة «كتابه» لا يصح صياغته على ذلك النحو، إذا ما أردنا أن نقول: إن كتاب الطرفة من تصنيف الملك الأشرف، فالسياق لا يستقيم، والأحرى أن تصاغ مفردات العبارة من كلمات وأفعال وضمائر بشكل يتواءم مع السياق، كأن يقول مثلاً نذكرهم في كتابنا هذا، ونحو ذلك من عبارات. لقد ضربنا صفحاً عن هذه العبارة في بداية الأمر، وقلنا لعلها من أغلاط الناسخ. غير أن ما وجدناه أثناء مضينا قدما في قراءة كتاب الطرفة من عبارات أخرى، ومعلومات لا تتوافق مع عصر الملك الأشرف، جعلنا نتيقن حقيقة أن شخصاً مجهول الهوية قد أعاد نسخ الكتاب وأضاف إليه معلومات جديدة كلية وعبارات غير السابقة. مما جعل الاضطراب يلف شخصيات الكتاب في القسم الذي أشار المقدم إلى أهميته، وبالتالي جعل المعلومات الواردة عنهم تفقد أهميتها، ولذلك فإنه يجب أن يحتاط المرء عندما يستند إلى الأنساب الواردة في الكتاب في حالة النقل منه، أما الاستشهاد بتلك المعلومات الواردة عن تلك الشخصيات كمعلومات تاريخية وذلك باعتبار أن أصحاب تلك الشخصيات معاصرة للملك الأشرف فيصعب الأخذ به، بل من الأحوط عدم الأخذ به، أولاً لانعدام العامل الزمني في الكتاب .وهو التاريخ وذلك بسبب طبيعة الكتاب. ثانياً أن الشخص المجهول الهوية قد أضاف معلومات متقدمة عن تاريخ وفاة الملك الأشرف، وهذا بدوره أدى بنا إلى التشكيك في معاصرة الملك الأشرف لبعض الشخصيات الواردة في الكتاب.
يستمر ورود الاضطرابات في كتاب الطرفة، إذ يورد المصنف في الصفحة الثامنة والعشرين «ومنهم ولده مولانا وسيدنا ممهد الدنيا والدين الملك الأشرف أبو الفتح عمر بن يوسف بن عمر أفضل ملوك اليمن وأفضل ملوك الدهر وأشرف أبناء العصر».
يتضح لنا جلياً أن لغة الخطاب في هذه العبارة لا تستقيم أيضا نسبتها للملك الأشرف ولا يمكن أن تكون صادرة منه، سواءً باستخدام ضمير الغائب، أو باستخدام المدح المبالغ فيه جداً، الذي لا يمكن في اعتقادنا أن يصدر عن الملك الأشرف، علاوة على أنه من المستبعد أيضاً أن يقول عن نفسه مولانا وسيدنا، هذه العبارة أكدت بدورها الشك الذي أثارته العبارة التي سبقتها، وكلاهما يشيران بوضوح إلى أن هناك شخصاً مجهول الهوية قد أعاد صياغة كتاب الطرفة من خلال استعماله ذلك الأسلوب في الكتابة، الذي لا يدل على الملك الأشرف بل يدل عليه هو.
ويذكر المصنف في الصفحة الثامنة والثمانين «وولي بعده يعني الخليفة العباسي المنتصر بالله ولده الإمام أبو محمد عبدالله المستعصم بالله.. وهو الذي خرج عليه التتر وقتلوه وأخذوا بغداد، وذلك في سنة ست وخمسين وستمائة». يفهم من هذه العبارة أن تاريخ تأليف كتاب الطرفة قد جرى بعد وفاة الإمام المستعصم بالله، أي بعد سنة 656ه. ويلي تلك العبارة مباشرة وفي نفس الصفحة عبارة «ولم يبق ممن عهد إليه بالنيابة سوى مولانا ومالكتا السلطان الأعظم الملك المظفر شمس الدين يوسف بن عمر بن علي بن رسول خلد الله ملكه سلطان اليمن وهو ملك عصرنا و سيد ملوك بني رسول». هذه العبارة تؤكد السابقة، بل ويؤكدان معاً أن كتاب الطرفة كتب بعد وفاة الإمام المستعصم بالله وأثناء سلطنة الملك المظفر، وقد كنا حقيقة كغيرنا نعتقد ذلك، غير أن ما تكشف لنا من إضافات الشخص المجهول إلى كتاب الطرفه نقض اعتقادنا ذلك، فتلك الإضافات هي إضافات لاحقه عن عصري الملك المظفر يوسف والملك الأشرف مما جعل بعض معلومات كتاب الطرفة، قابلة للنقد والنقض على السواء.
ولا يصح أبداً نسبتها إلى الملك الأشرف عمر، خاصة المعلومات التي لا يرد عنها شيء في غير هذا الكتاب. وهي الموضوعات المتعلقة بشخصيات بعض الأفراد الوارد ذكرهم في كتاب الطرفة.
قد نستطيع تأكيد بعض المعلومات الواردة في هذا الكتاب عن بعض الشخصيات من خلال مقابلتها بمعلومات وردت عنهم في غير هذا الكتاب، أما الشخصيات التي لم يرد لها ذكر إلا في كتاب الطرفة فيصعب تحديد فترتها التاريخية لتعذر وجود أي معلومات في أي كتب مصدرية أخرى معاصرة. وبالتالي فإننا نبالغ جداً حينما نجعل بعض شخصيات كتاب الطرفة معاصرة للملك الأشرف باعتباره مؤلف الكتاب، وخاصة تلك الشخصيات يسبقها عبارات يفهم معاصرتها للملك الأشرف، كعبارة «صاحب جازان» وعبارة« وهو اليوم صاحب جازان» «كتاب الطرفة صفحات 108، 109». نقول ذلك لأن المؤلف المجهول قد لخبط أمور الكتاب، وما عدنا نعرف بسبب ذلك فيما إذا كان أولئك الأشخاص من معاصري الملك الأشرف عمر أو من معاصري المؤلف المجهول الهوية.
لقد تولى الملك الأشرف كما ذكرنا، أمور السلطنة في عام 694هـ، وتوفي في عام 696هـ وأنه كما ذكر المقدم، ألف كتابه في حياة أبيه، وقبل توليه السلطنة، وهو الأمر الذي يفهم أيضاً من العبارة السابقة المتعلقة بمقتل الخليفة المستعصم وتلك المتعلقة بنيابة الملك المظفر.
بينما المؤلف المجهول الهوية قد زاد على كتاب الطرفة معلومات متقدمة التاريخ ولاحقة لعصر الملك الأشرف عمر، وتحديداً بعد عام 721هـ، علاوة على الاضطرابات الحاصلة في كتاب الطرفة التي ذكرناها ووقوع المؤلف المجهول الهوية في أخطاء ضمنها كتاب الطرفة لا يصح أن يقع فيها الملك الأشرف، كالغلط في تسمية عمه حينما ذكره باسم الملك شرف الدين محمد بن علي «طرفة الأصحاب صفحة 90»، بينما ورد ذكره باسم موسى بن علي في كتاب العقود اللؤلئية في تاريخ الدولة الرسولية«العقود/1، صفحة 28» وكذلك في كتاب قرة العيون «صفحة 300»، وهو ما نعتقد صحته وذلك لاستمرار ورود الأغلاط في كتاب الطرفة، فبالإضافة إلى الغلط في اسم الأمير موسى بن علي فهاهو المصنف يعاود الكرة مرة أخرى ليغلط في تعداد نفوس أخوة الملك الأشرف وأبناء الملك المظفر، حينما ذكر أنهم ثلاثة عشر رجلاً «كتاب الطرفة صفحة 91» بينما أوردهم مؤلف العقود اللؤلئية سبعة عشر رجلاً «العقود/1، صفحة 279» وهو نفس العدد الذي أورد ذكره صاحب قرة العيون «صفحة 334» ، هذه الأغلاط والاضطرابات التي سنوردها بعد قليل جعلتنا نتيقن بمدى التشويه الذي أحدثه الشخص المجهول الهوية في كتاب الطرفة.
يورد المصنف «المجهول» بأن «أولاد المؤيد سبعة: عمر وضرغام الدين حسن وقطب الدين عيسى وأحمد ويونس وعلي ومحمد، توفي الجميع وبقي علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول الغساني» «كتاب الطرفة، صفحة 92». هكذا يرد في كتاب الطرفة، فهل يعقل أن يرد مثل هذا الكلام على لسان الملك الأشرف عمر المنسوب إليه كتاب الطرفة؟، ذكر جمل له «توفي الجميع وفي علي بن داود» تجيب على هذا التساؤل، فالحقائق والدلائل تبين وبما لا يدع مجالاً للشك أن الملك المؤيد داود بن يوسف تولى أمور السلطنة في اليمن بعد وفاة أخيه الملك الأشرف عمر في عام 696هـ واستمر قائماً إلى وفاته في عام 721هـ «العقود /1/440»«قرة العيون/ 348».
أما ابنه قطب الدين عيسى فهناك ما يشير إلى أنه قد توفي في عام 703هـ أي في فترة سلطنة أبيه الملك المؤيد «تاج الدين/ البهجة/ 119». أما علي بن داود فلا يخفى على أحد أنه الملك المجاهد علي الذي أعقب أباه في الحكم وهو الابن الوحيد من بين إخوته الذي كان حياً عند وفاة أبيه، أما ولادته فقد كانت في عام 706هـ ولقبه أبوه بالمجاهد «العقود/ 1/370، قرة 345».
وكما نرى فهذه أحداث لاحقة لعصر الملك الأشرف عمر ولا يمكن له ذكرها لاستحالة ذلك، ما لم يكن هناك من أعاد صياغة كتاب الطرفة، وهو بالطبع الشخص المجهول الهوية التي لم يكتف بذلك بل أضاف للكتاب معلومات أضاعت بدورها كتاب الطرفة، وتبين مدى الضرر الذي لحق بالكتاب، وبالتالي فإنه لا يصح بأي حال من الأحوال أن ننسب كتاب الطرفة جزافاً للملك الأشرف بعد ما بيناه، ولا يصح بناء على ذلك، أن نعتمده مرجعاً تاريخياً لتحديد فترات بعض الشخصيات الواردة فيه باعتبارها معاصرة للملك الأشرف وخصوصاً تلك الشخصيات التي لا نجدها في غير هذا الكتاب، فالكتاب كما نرى أصبح كتابين، وما عدنا ندري أيهما للمك الأشرف عمر وأيهما للشخص المجهول الهوية. ولعلنا هنا ندعو المهتمين من الباحثين والمهتمين بتحقيق كتب التراث لإعادة النظر في كتاب الطرفة من خلال إعادة تحقيقه وإزالة ما علق به من شوائب.
المراجع
1 تاج الدين بن عبدالمجيد، تاريخ اليمن «البهجة».
2 الخزرجي، العقود اللؤلئية.
3 ابن الديبع، قرة العيون.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved