نؤمن جميعاً بان «لكل مجتهد نصيباً» وأن هذه العبارة شبه قاعدة أزلية يقرها كل مجتهد بل يدركها كل العالم ولا جدال في ذلك، ولكن ليس كل مجتهد مصيب لأنها تتفاوت القدرات والمعطيات والتأهيل والاستعداد والتهيئة والتطبيق والتوفيق والحظوظ في الإبداع إلا ان الجميع يعطي مثل هذه القاعدة ما تدل عليه. وان اختلفت درجات الرضا والقبول فيما تؤول إليه النتائج لأي عمل يعمل له الاستعداد والتحضير والسعي الجاد لتحقيق أهداف إيجابية مأمولة.
وفي الرياض عموماً وفي كرة القدم على وجه الخصوص وليس بالضرورة ان يفوز الأحسن استعدادا والأفضل مستوى. والمنتخب السعودي الحبيب نحبه حتى الثمالة ولكن ليس بالضرورة ان يخطف كأس كل بطولة يشارك في منافساتها كما أنه ليس بمقدوره ان يحطِّم كل من ينافسه على البطولات في كل الأحوال والمناسبات شئنا أم أبينا.
صحيح أنه من حقنا المنافسة والاجتهاد والتطلع والطموح والتحفز فهذه الأمور إيجابية ترفع الروح وتعلي الهمم وتقرب النصر لكن ليس من حقنا تهميش الآخرين ومصادرة تفوقهم وعدم احترام قدراتهم أو النظرة لهم بالدونية على اننا أحق من غيرنا في تحقيق البطولات، فالمنافسة حق مشروع للجميع على حد سواء كما ان الكرة مدورة ولا أمان لها، إذاً من الذي أرهق النفسيات وأحرق الأعصاب وجعلنا في شفافية مرهفة.. لا نقبل واقع الكرة وتقلباتها ولم نضبط التوازن مع أحوالها فالمستوى الكروي لأي دولة من دول العالم لايبقى على وتيرة واحدة كما هي النتائج والتي بسببها تتفاوت الدول في تصنيف الفيفا للمنتخبات العالمية في مدد قصيرة.
فأي مستوى معرض للتألق والارتفاع كما هو معرض للاهتزاز والانخفاض شأنه شأن مستوى اللاعب، فالفريق مجموعة لاعبين فلا غرو ان تحصل مفاجآت مذهلة في النتائج وهذا أمر وارد وطبيعي وهو من أسرار كرة القدم وهو من مكنونات سحرها الأخاذ.
ولنا بخروج بطل العالم «فرنسا» وبالضربة القاضية من منتخب السنغال صاحب أول تجربة في كأس العالم دليل على ان كرة القدم لا تعترف بالترشيح ولا ترضخ له كما لا تنساق مجاملة لأصحاب الانجازات إذا لم يخدموها ويجروا خلفها ويخطبوا ودها ومن ثم يطوعونها لتحقيق أهدافهم فمن طبعها ألا تحترم من يتعالى عليها أو يجعل الغرور مطية له لذا لا أمان لنتائجها وغدرها وتنكرها.
إذاً كيف التوفيق بين هذا الواقع وتركيبة اللاعب ذلك المخلوق العاقل بأجهزته العجيبة وتكوينه الفريد. فهو يعرف بطبعه ما ينفعه ويضره. إلا أنه يستجيب ويتأثر وينفعل ويقلق ويتوتر ويختزل مواقف. كما تنتابه تخيلات قد تجلب له الإثارة والانزعاج كما انه يستكين للضغوط النفسية والاجتماعية والتي قد تكسبه الخوف والتردد وتفقده الثقة فتهتز المعنويات كما يتملكه الطمع والغرور والتعالي وعدم المبالاة بالخصوم ويأخذ منه الشعور بالتقصير وتحمل الذنب وعدم رضا المحيطين به مأخذاً يربك العطاء.
واللاعب السعودي ومن أحداث بطولة الخليج الأولى ومثل هذه الصفات والمؤثرات أو بعضها كانت ملازمة له فهو مشحون إدارياً ومضغوط نفسياً ومحاصر اجتماعياً لتحقيق الإنجاز.! فعند إقامة بطولة الخليج ننصِّب أنفسنا أبطالاً لها قبل بدء البطولة وفي قرارة أنفسنا إما البطولة أو الفشل. نعم رسمنا في مخيلتنا أحقيتنا المطلقة في كأس الخليج دون غيرنا، بل جعلناه مطلباً ملحاً ملازماً لكل بطولات الخليج فأتت النتائج سلبية تحطمت معها الآمال ومع تكرارها تغشانا الرهاب الكروي من أجل الحبيب الغالي «كأس الخليج»، فلماذا نرشح منتخبنا لأي بطولة يشارك فيها ولماذا يرشح أهل الخليج جميعهم المنتخب السعودي لبطولتهم بل تنثر له الورود وتدق له الدفوف وتضرب الطبول ويتغنى البحارة الخليجيون على اليا مال. نعرفك يا الأخضر رشحناك الأول ويختلقوا تظاهرة إعلامية مريبة لتتم الزفة على أنغام المزامير الخادعة! لا شك ان لهذا النفخ الإعلامي مردودا سلبيا على عطاء اللاعبين داخل الملعب وعندما يغرق الأخضر في أمواج الخليج العربي تسل سيوف للتهجم والنيل من الكرة السعودية بالإعلام الدخيل على الخليج وأهله وتظهر بواطن الأماني السوداء والتطلعات المكبوتة بالخوف.
من الصقور السعودية المرعبة لهم ولا أدري عن واقع المسؤولية الإدارية التي تقود الوفد المشارك وضبط إيقاعه وإبعاده عن التجاوزات والمؤثرات على المعطيات في المشاركات الخارجية أم كانت من الشواهد على السلبيات التي حاصرت المنتخب السعودي وأسقطته عن منصات الخليج وجعلت الكأس يذهب مرات عديدة لغيرنا.
فهل نعي مثل هذه الأمور ونسعى لإبعاد لاعبينا عن مثل هذه الضغوط ومسببات الغرور والمؤثرات السلبية كالشحن النفسي والتوتر العصبي والرهاب الكروي وألا نجعل اللاعب السعودي في مثل هذا الواقع المر عند المنافسة لهذه البطولة والتي أعطيناها أكبر من حجمها ولم نحسن التعامل معها لماذا لم تعلمنا الأيام ونستفيد من دروس كأس الخليج ونتلافى سلبياتها فلا يرحمنا التاريخ ولن تعذرنا الجماهير مهما تذرعنا وتندرنا بالمؤثرات الخارجية والظروف غير الطبيعية التي صاحبت معظم بطولات الخليج والتكتلات ضد الأخضر في كل الأحوال لأن كل دول الخليج منتخبات أو فرق «قاعدتهم» إذا أردت ان تحقق إنجاز فلا تجعل المنتخب أو النادي السعودي يفوز!
فالتعادل مع السعودي في نظرهم إنجاز وهذا ما جعلهم يتكتلون لاعاقة الفرق السعودية بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة ومما قلل من فرص نيل كأس الخليج وقوع المنتخب السعودي دائماً بين مطرقة أنصاره وسندان منافسيه مما أوقعه في دوامة زاد من حدتها المدرب الأجنبي الذي لم يستطع فك طلاسم هذه البطولة وان كان من مشاهير التدريب حتى حكمت الظروف باللجوء إلى المدرب الوطني الذي وفق في كسر الحاجز وفك القيد وتحقيق الإنجاز لتزول بعض الآثار السلبية المترسبة في كنف اللاعب السعودي. ومع كل هذه السلبيات فإننا نصر ونقحم أنفسنا في صراع نفسي رهيب فمثلاً عند مانريد ان ندخل منافسات بطولة فإننا نحدد مركزنا قبل بدء فعالياتها.! فعندما تأهلنا لكأس العالم رشحنا أنفسنا وعلى أقل تقدير بلوغ الدور الثاني غير آبهين بالمنافسين، بل اننا لا نقيم لهم وزناً حتى لو كانوا في مستوى وصيف بطل العالم!
فكيف كانت النتائج؟ ولماذا لا نستفيد من التجارب المؤلمة والدروس التي يكون لها وقع وتأثير في مسارنا الرياضي أليس من الأجدى والأنفع والأحسن والأصلح ان تكون الحكمة سيدة الموقف وأن ينصب الاهتمام على تهيئة اللاعبين نفسيا وتبصيرهم بأهمية الظهور بالشكل الذي يتناسب وسمعة المملكة وأن يبذلوا ما في وسعهم والتوفيق بيد الله سبحانه وتعالى مع احترام الخصوم وعدم شحنهم بالمنافسة لكيلا نصعقهم بالضغط النفسي والتشنج غير الإرادي..! بل يجب تثقيف اللاعبين ومن ثم مطالبتهم بالمظهر اللائق بالرياضي السعودي وما عليهم إلا إثبات الوجود وأن يتركوا أثراً طيباً أمام العالم عن تقدم الكرة السعودية. والبرهان على ذلك نجاح المنتخب السعودي في البطولة الآسيوية فهي البطولة الوحيدة التي سار فيها المنتخب السعودي بصورة طبيعية وحقق فيها نتائج باهرة وحصد فيها أغلى الكؤوس وأثمنها وكرر الإنجاز بصورة تدعو إلى الإعجاب فلماذا؟
لأننا احترمنا الخصوم وأعددنا لهم العدة ولم نمارس الشحن والضغط على اللاعبين فحين تمت تهيئتهم نفسياً سرنا بثبات فقرنا المستوى المتطور بتحقيق الألقاب. فدعوة لمن يهمه الأمر.
دعونا نستمتع بمستوى الكرة السعودية وعطاءاتها بدون ترشيح للبطولات وخطف الالقاب، فالترشيح المسبق جعل اللاعبين السعوديين في المباراة الأولى لأي بطولة يشاركون فيها لايعطون العطاء المأمول بسبب الضغوط التي تحاصرهم فتثقل كواهلهم وتقيد تحركاتهم فمن ينقذ المنتخب السعودي من هذه المعضلة التي ابتدعناها عليه من الداخل وألبسها عليه خصومه من الخارج لعل في لجنة تطوير الكرة السعودية بشائر خير تقودنا للانضباط والعمل بالحكمة والتوازن.
إبراهيم المحيميد |