بعد أن كان الريف هو سلة غذاء المدينة وهو مصدر رزقها وأمنها الغذائي، تحول الريف الى منطقة طاردة يهجره أبناؤه وسكانه ويتجهون الى المدينة بحثاً عن مصادر الرزق السهل الوفير وفرص العمل المتعددة التي من الممكن أن توفرها المدينة الفسيحة.
ولعل هذه من أبرز المشاكل التي تعاني منها التركيبة السكانية في دول العالم، فهي من ناحية تزيد الضغوط على البنى التحتية والمرافق الأساسية في المدينة نتيجة لتضاعف عدد السكان.
ومن ناحية أخرى تحول المزارع في الريف الى قرى خاوية مهجورة تعاني الوحدة وقلة السكان، وبالتالي تفتقد ذلك النشاط الاقتصادي والزراعي الذي يخولها لتغطية احتياجات المدينة ولا سيما في ظل اقتصاد الوفرة المتطلب إذ تضطر المدينة حينئذ الى الاستيراد من الخارج وعدم الاعتماد على مقدرات البلد الداخلية.
ولعل الجهات المسؤولة لا تستطيع السيطرة على هذه القضية أو الحد من التدفق العارم المتجه من الريف الى المدينة نظراً لخلو الريف من جميع المنشآت والمرافق الحديثة والمتطورة التي تلبي حاجة سكانه وتصلهم بالعصر.
وعلى الرغم من جميع العمليات التنموية التي تقام في هذا المجال إلا ان الريف يبقى متقهقراً بمراحل عن المدينة على مستوى الانفتاح على العالم والاطلاع على المنتج العصري العالمي، وقد قامت سورياً مؤخراً بتجربة مميزة في هذا المجال تحاول ان ترمم من خلاله الأوضاع المتعبة التي يعاني منها الريف السوري في ظل البيروقراطية وتقلص الفاعلية الإنتاجية.
وعلى الرغم من هذا فقد قام أحد المستثمرين السوريين بتجهيز سيارة بشكل كامل وزودها بأحدث أجهزة الاتصالات بحيث تصبح قادرة على الدخول والاتصال بشبكة الإنترنت بيسر وسهولة، ومن ثم أخذت هذه السيارة تطوف على المحافظات والقرى السورية ساعية الى توفير الخدمة بمبلغ معقول يستطيع الكثير تقديمه.
وهم الآن بصدد تجهيز أربع سيارات أخرى لتقوم بنفس المهمة.
والفكرة تبدو جميلة وعملية من خلال سرعتها وحيويتها فالتكنولوجيا ذهبت الى الريف واخترقته ولم تنتظر الريف أن يذهب اليها، كما هو المتبع في العادة وبالتالي لم تنتظر تهيئة البنية التحتية في الريف تلك المهيأة لاستقبال التكنولجيا (لأن ذلك سيستغرق في الغالب سنين طويلة في ظل الأحوال الاقتصادية الصعبة لدول العالم الثالث)، بل استبدلت هذا بفكرة سيارة الإنترنت العملية والسريعة والقادرة على تقديم خدمات الشبكة لقرى كثيرة بعيدة ونائية.
الجميل في الأمر هنا هو وعي الجمعيات المسؤولة عن تحديث الريف في سوريا بأهمية هذا الموضوع، في عصر التقنية والمعلوماتية، ذلك العصر الذي يسير بسرعة خارقة وتتضاعف فيه المعلومة في ظرف دقائق.
ولن ينتظر قطارها السريع المترددين او الخائفين او المتقاعسين الذي ما برحوا في مرحلة من التردد والقلق هل يلتحقون بالعصر أم يعودون للتقوقع في سراديبهم الحجرية.
|