** مطعم صغير على الشاطئ.. البحر يلتهم قرص الشمس رويداً.. رويداً.. صديقي يتسلى بمطالعة المجلة.. وأنا أتسلى بتاريخي القصير في هذه الحياة.. ومن أنا؟!.. حفنة من الأوهام تظل تكبر وتكبر.. وعندما تصطدم بالواقع تنفجر ثم تتلاشى كبالون هواء!.
يلتفت صديقي ويُريني بعض صور الفاتنات.. أقول له: إنهنّ جميلات!.. ثم أتناول منديلاً مهترئاً أمسح به وجهي.. لم يكن الجو حاراً.. لكنني اعتدت على ذلك!.. يشدّ صديقي طرف قميصي: ما رأيك؟.. أطالع صور الفاتنات مرة أخرى وأقول: ما أقبحهن؟!.. ظّل صديقي تائهاً في شرودي ولكنه عنيد كصقر.. يغفى عن فريسته لحظات ثم يعود لينقضّ عليها مرة أخرى.
يعود صديقي إلى مجلته.. وأعود أنا لتعداد من أحببتهم ومن لم أحببهم.. ومن أكرههم.. ومن أنا حتى أكره؟!.. أسمع من ورائي ضحكات تتعالى.. ألتفت من خلفي.. طاولة بها بنات وصبيان.. وزوجان كهلان.. عائلة سعيدة.. ولكن ما هي السعادة؟!.. هل هم حقاً سعداء.. أم أنهم يتمثلون السعادة حتى لا يفكروا بشقائهم!.. هذا أنا.. هربت بأحزاني من وطني في هذا الصيف الحارق مثل آخرين غيري.. هربت إلى بلد آخر لأشعر بالسعادة.. ولكنني لا أجدها.. أشعر باضطراب داخلي بين ما أريد.. وما لا أريد.. أليست الحياة جملا من المتناقضات!؟!.. لست تعيساً.. ولكنني أيضاً لست سعيداً!!..
يهبّ صديقي واقفاً.. كنت أشعر بانقضاضه عليّ.. وكأي فريسة ضعيفة استسلمت له.. ثار مذعوراً: الفنانة التي تحبها ماتت!!
..يتوقع الصقر من فريسته أن تهرب.. ولكني واجهت الأمر بمغامرة غير محسوبة: وماذا يعني؟!.. يعيد صديقي صياغة سؤاله: ألست تحبها؟!.. أعيد جوابي المضطرب: وماذا يعني أن أحبها؟!.. ترتسم على وجه صديقي علامات الغضب: أنت مجنون.. ألم أقل لك إنك بحاجة إلى مراجعة طبيب نفسي.. أنت غير مدرك لما تفعله بنفسك!.. تلاشت لدي الرغبة في مقاومته.. وهل يستطيع العصفور مقاومة الصقر؟!.. عدت إلى هوايتي في قضم أظافري تعبيراً عن انهزامي.. فرد الصقر أجنحته ليطير.. صوّب نظراته نحوي: إنني أشعر بالعطف تجاهك لذلك سافرت معك.. ولكنني اكتشفت خطأ عطفي!.. لم أجرؤ على النظر إليه فتلك حرب خاسرة.. تابع حديثه وهو يركّز نظره على فريسته: رتّب أغراضك سنعود إلى الوطن غداً!!.. مضى أمامي.. استرقت النظر خلفه حتى تلاشى.. عدت إلى هوايتي المفضلة.. وظللت أفكر: من أنا؟!..
واقفاً أمامي عامل المطعم يناولني فاتورتي.. سألني بعطف: أليس لديك أصدقاء! كل يوم تأتي هنا لوحدك.. وأراك تتحدث مع نفسك؟!.. انتفضت كفريسة تقاوم الموت: أنا؟!.. ألم تشاهد صديقي وهو يغادر المطعم منذ قليل؟!.. لم يقل شيئاً.. أرى في عينيه عطفاً دافقاً بالحنان.. عدت أقاوم موتي أنا الفريسة الضعيفة قلت: يبدو أنك أخطأت.. فأنا أمتلك مئات الأصدقاء!.. لم يقل شيئاً أيضاً.. تناول النقود وهو يتمتم بكلام لم أستوعبه.. كان يدعو لي بالهداية!.
تلاشى ظل العامل أمامي.. وعدت مرة أخيرة لقضم أظافري.. وظللت أعدّ أصدقائي.. وكانت النتيجة مذهلة.. تنهدت الفريسة تنهيدتها الأخيرة.. و.. ت.. ل.. ا.. ش.. ت!!!.
|