Thursday 18th July,200210885العددالخميس 8 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

من شمشون إلى شارون: من شمشون إلى شارون:
بريطانية تكتب عن «البلطجة» في الثقافة اليهودية
د.سعد البازعي

كان لابد للموضوع ان يستوقفني ويغير اتجاه هذه المقالة من استكمال لما بدأته الاسبوع الماضي حول شعر درويش الى اتجاه يتصل بشعر درويش من ناحية لكنه يخالف جمالياته وتطلعاته من ناحية اخرى. فقد شدني غلاف الملحق الثقافي لصحيفة «الغارديان» البريطانية ليوم 6/يوليو/2002م وهو يحمل رسما كاريكاتوريا مكبرا لارييل شارون في هيئة زعيم لعصابة مافيا: البدلة المزركشة والرشاش والسيجار الهافاني، والى جانب الصورة عنوان يقول: «تصرفات اليهود السيئة: ارييل شارون والافتتان اليهودي بمجرمي العصابات». وحين فتحت الموضوع وجدته مغريا اكثر: فهو بقلم كاتبة يهودية تمزج مذكراتها الشخصية بتاريخ اليهود الثقافي وتطلعاتهم السياسية. وباجتماع هذه المغريات، وفي طليعتها حداثة النشر، رأيت ان التعريف بالمقالة له الاولوية طالما امكنت العودة الى دوريش في اسبوع قادم ان شاء الله.
لكن درويش يظل حاضرا بطبيعة الحال وعلى نحو ما في اي موضوع يطال اليهود وشارون بشكل خاص، فها نحن ننظر فيمن يمارس الحصار و«البلطجة» العسكرية والسياسية، وهاهي المتحدثة في المقالة قادمة من الظروف الثقافية نفسها التي انتجت شارون وامثاله. المقالة بعنوان حماة الدين يختصر اظروحة المقالة اذ تتناول ما يبدو لبعض اليهود انه مفارقة في تاريخهم، وهي اعجاب البعض منهم بشخصيات اقل ما توصف به بأنها تتصرف بطريقة عنجهية او «بلطجية» كما في التعبير الشعبي، علما بأن المعجبين بتلك الشخصيات يرون فيها قوة بطولية او رجولية وتنطلق الكاتبة وهي البريطانية لندا غرانت، الى هذا التاريخ من ذكرياتها الشخصية مشيرة الى ابيها الذي طالما اعجب بتلك الشخصيات حين تمثلت له في قادة العصابات من اليهود الامريكيين اثناء الثلث الاول من هذا القرن، لتؤكد بعد ذلك ان والدها لم يكن وحيدا في ذلك الاعجاب حسبما يروي كاتب يهودي آخر هو رتش كوهين في كتابه «يهود اقوياء» آباء وابناء واحلام عصابات «1998» ففي كتابه يقول كوهين: «ان لليهود من جيل ابي وطريقته في التفكير شخصية يفضلونها من رجال العصابات، مثلما ان للكاثوليك قديسا يرعاهم: شخصية اسطورية تمنحهم اسلوبا للعيش وطريقة في عمل الاشياء».
في هذا السياق تشير الكاتبة الى عدد من الاعمال الادبية واخرى ذات طابع فولكلوري تستمد شخصياتها وافكارها من ذلك الاعجاب اليهودي برجل العصابة والمجرم والبلطجي. ومن تلك روايات لكتاب يهود مشهورين مثل الامريكيين نورمان ميلر وفيليب روث. فقد عرف عن ميلر ميله الى شخصيات المجرمين وتحليله اياها تحليل المعجب، كما في روايته «اغنية الجلاد» (1979) التي تناول فيها شخصية قاتل حقيقي هو غيري غلمور كان ميلر قد تعرف عليه ودافع عنه وطالب باطلاق سراحه. لكن ما يلفت النظر بشكل خاص هنا هو اشارتها الى ان اليهود هم الذين اخترعوا بعض اشهر الشخصيات الخيالية ذات البطولة الخارقة مثل سوبرمان، الذي اخترعه في اوائل الثلاثينات شابان امريكيان من اصل يهودي هما جيري سيغل وجو شوستر ليعبرا عن تطلعات يهودية، كما يرى البعض، الي القوة التي تعوضهم عن قرون من الضعف والاستكانة في مجتمعات معادية «هذا مع العلم بأن مفهوم الشخصية المتفوقة، شخصية السوبرمان اقدم واعمق من ذلك بكثير اذ تعود الى الثقافة الالمانية لدى غوتة ونيتشه بشكل خاص».
هذا البحث عما يعوض اليهود هو في تقدير الكاتبة الدافع الرئيس وراء الاعجاب بشخصية رجل العصابة او البلطجي كما تمثل لليهود في شخصيات تاريخية واسطورية وادبية فامتدادا من شخصية شمشون الجبار، الذي ترد قصته في التوراة بوصفه الذي دافع عن اليهود ضد الفلستينيين «وهم شعب قديم غير العرب الفلسطينيين» بأن هدم المعبد على نفسه وعليهم، وحتى أرييل شارون هناك سرب طويل من الشخوص الذين يمثلون الجبروت عبر التاريخ الثقافي لليهود والذين يرضون جانبا من التوق النفسي اليهودي الى التخلص مع ضعفهم واضطهادهم، كما تقول الكاتبة. غير ان هذه الشخصيات وان التقت في الجبروت وسفك الدماء فانها تختلف في سمات مهمة، وتلفت نظرنا الكاتبة الى واحدة منها في مقارنتها بين شمشون وشارون.
يفتقر ارييل شارون الى العلاقة المباشرة بالله «فهو غير متدين وان تقرب الى اليمين الديني بغرض الائتلاف» ولكنه مع ذلك عين نفسه شمشونا معاصرا. فبعد مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982م جرد من سلطاته حين اعتبرته لجنة تقص اسرائيلية غير صالح على الاطلاق لتولي منصب وزير دفاع. والآن، وقد تولى منصب رئيس وزراء في مرحلة حاسمة من التاريخ الاسرائيلي، فان تعطشه الى الانتقام، مضافا الى ايمانه الراسخ بقدس موحدة.. قد يؤدي الى انهيار اسرائيل وفلسطين بأكملها على رأسه.
غير ان الكاتبة على وعي تام بأن رأيها هذا بممارسات شارون وامثاله ليس شائعا بين اليهود سواء من مجايليها أو ممن سبقهم. فهي تذكر مثلا ان والدها «كان سيغضب من موضة النقد السائدة حاليا والمضادة للصهيونية والتي تتعاطف بل وتقدس ضحايا الفاشية في معسكرات الابادة، بينما تدين اولئك الذين نجوا من تلك المعسكرات بوصفهم عنصريين دخلوا فلسطين وحاربوا من اجل دولة يهودية وتشير من بين الامثلة التي تسوقها لأولئك الناجين ما يشير اليه الباحث رتش كوهين في كتابه «المنتقمون: قصة حرب يهودية» «لندن 2000» اذ يروي قصة مجموعة من اقاربه وأصدقائهم الذين شنوا حرب عصابات ضد الألمان في الحرب العالمية الثانية ثم انتقلوا عام 1948م الى اسرائيل للحرب معها.
تقول الكاتبة إن والدها لو عاش ليرى ممارسات شارون فان الاقرب هو ان ينظر اليه بمزيج من الكراهية والقبول المبني على المصلحة. كان ابوها سيؤسس موقفه على انه «طالما كنا نحن اليهود اهل الكتاب، وطالما ظلت تقاليد الدراسة التلمودية تنبض في تاريخنا، وطالما كنا واضعي الشريعة، مؤسسي الشريعة الموسوية، فان من الطبيعي ألا نكون في تاريخنا قد تجاهلنا يوما حاجتنا الى الدفاع عن النفس وكنا مرارا وتكرارا نعهد بالقيام بذلك الدور الى عنصر بلطجي في المجتمع اليهودي!! وإذا كان شمشون شارون من أشهر أولئلك فإن آلافاً غيرهم قاموا بأدوار مشابهة ولكنهم ليسوا بنفس الشهرة، وتذكر في هذا السياق اولئك الجنود الاسرائيليين الذين جاءوا من روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
في خلفية اولئك الجنود يمتد تاريخ من العلاقة بين الاقلية اليهودية في روسيا والثورة الروسية، مثلما تمتد الحروب في افغانستان وفي الشيشان. وتشير الكاتبة في هذا الصدد الى ان اليهود بين نهاية القرن التاسع عشر والحرب العالمية الاولى واجهوا خيارات ثلاثة: الهجرة الى الولايات المتحدة كأرض واعدة بالأمان والخيرات، والاستجابة للدعوة الصهيونية بالهجرة الى اسرائيل، او ثالثا، التحالف مع الثورة البلشفية عام 1917م، وتقول ان هذا الخيار الاخير مع انه كان واعدا بالمساواة والفرص الكبيرة ومع انه اوصل بعض اليهود الى سدة القيادة مثل تروتسكي فانه قد اتضح انه في النهاية كان اسوأ الخيارات. وحين جاء المهاجرون اليهود من الاتحاد السوفيتي الى اسرائيل فقد جاءوا معبئين بالكراهية ليس للشيوعية فحسب وانما بما عبأتهم به الشيوعية السوفيتية ايضا من ايديولوجيا ونزوع الى العنف.
حسب ما جاء في روايات شهود العيان للاقتحام الاسرائيلي لجنين فان كثيرا من الجنود كانوا مهاجرين جددا من روسيا لا يتحدثون الا القليل من العبرية وينهبون بيوت المدنيين، ولم تنبع كراهية اولئك للمسلمين فجأة، نتيجة لكونها غرست في نفوسهم من قبل الدولة الاسرائيلية وانما غذتها الحروب البالغة الوحشية في افغانستان والشيشان.
إنه إذاً النزوع المضاعف الى العنف، نزوع الانتماء الى اقلية حاولت السيطرة وفشلت فاضطهدت، ونزوع الموقف المضاد للمسلمين في النفوس اليهودية، وفي كل الحالات فاننا إزاء شاهد من اهلها وكم نحن بحاجة الى التعرف على امثال هذه الشهادات لا لنشفي غلة وانما لنزداد معرفة فمثل المقالة التي عرضتها هنا بحاجة الى ترجمة كاملة ونشر ضمن كثير من مثلها ينشر في الغرب لا في الصحافة وحدها وانما في وسائل اعلامية اخرى وفي كتب، فهل سنحظى يوما بمركز ترجمة يتابع مثل هذه الاعمال وغيرها راصدا ومؤرشفا ومحللا؟ أرجو ذلك.

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved