قد يهم الموضوع الذي أطرحه للحوار اليوم معظم غير العاطلين عن العمل، أو من ستجد لهم وزارة الخدمة المدنية عملاً في المستقبل القريب بإذن الله ممن يملكون مؤهلاته ولا يعرفون أبوابه الصحيحة، وهذا الموضوع هو مسألة ضوابط حقوق وواجبات العمل في مؤسساته بالقطاعين الحكومي والأهلي في علاقتها بالعاملين وسير العمل والإنتاجية من ناحية وفي علاقتها بالقيم الوطنية العليا للعمل من عدل ومساواة وبناء من الناحية الأخرى.
لا جدال أن مجتمعنا اليوم يملك تاريخاً غير قصير نسبياً لنشأة مؤسسات العمل في القطاعات المختلفة من الخدمات العامة الذي يعود إلى التاريخ الذي شرع فيه مؤسس الدولة السعودية المغفور له بمشيئة الله الملك عبدالعزيز بإرساء اللبنات الأولى لتأسيس مجتمع مدني حديث من الإقرار بقيام مجلس للشورى إلى إنشاء مؤسسة نظامية للجيش وإنشاء الوزارات المختلفة للخدمات المالية والصحية والتعليمية مباشرة بعد إعلان قيام الكيان السياسي الموحد للمملكة العربية السعودية عام 1932م، ولا جدال أيضاً أن بنية وتركيبة هذه المؤسسات قد شهدت من يومها إلى يومنا تطورات كثيرة من حيث الكم والكيف في هيكلتها الإدارية ووسائلها التقنية ونوعية العاملين فيها مع الارتفاع المضطرد في أعداد المتعلمين والمختصين من أبناء الوطن وبمساعدة الزيادة الريعية في الدخل القومي خاصة في مراحل ارتفاع أسعار البترول، وهذا بالإضافة إلى التوسع المؤسسي الأهلي في المشاركة في عملية البناء الوطني، إلا أن كل ذلك لا يعني أو ربما بحد ذاته يستدعي وقفة حوارية جادة في مسألة منظومة ضوابط العمل أو ما يسمى عادة بالنظام العام ولوائح العمل في كل من المؤسسات الرسمية والأهلية معاً.
وهنا سأكتفي بما تقدم وأدخل في صلب الموضوع بتسجيل أربع ملاحظات فقط مستمرة من متابعة الواقع لبعض ما هو جدير بالحوار فيما يتعلق بهذه المسألة:
1- على الرغم من محاولة العصرنة والتحديث لبنى كثير من هذه المؤسسات، فليس من الصعب ملاحظة ما يزال يعانيه عدد منها من جمود وقدم مُعتق في بعض جوانب نظامها العام ولوائحها المنظمة للعمل ولحقوق وواجبات العاملين بها،. بما لا يتماشى مع روح المرحلة وما نواجهه من تحديات.
2- يلاحظ الغموض الواضح في الصياغة اللغوية والقانونية لغير قليل من أنظمة ولوائح هذه المؤسسات بما يصعب فهمها واستيعابها، وبالتالي الالتزام بها على مجمل العاملين بدون مساعدة المستشار القانوني في هذه المؤسسة أو تلك الوزارة هذا إن وجد مثل هذا المستشار لتقديم مثل هذه الخدمة للعاملين بها.
3- الملاحظة الثالثة تتمثل فيما يلاحظ من جهل عدد لا يستهان به من العاملين في تلك المؤسسات بشقيها الحكومي والأهلي بنظامها العام وباللوائح بما فيها منظومة حقوقهم وواجباتهم في العمل فيما عدا «أذونات الخروج وقت الدوام والإجازات وأوقات الحضور والانصراف» على ما في ذلك الجهل من أضرار بسير العمل، ومن هدر للإنتاجية ومن تمييع لمحددات ما للعاملين وما عليهم ،وما جهل عدد كبير من العاملين في المؤسسات بحقهم في الاطلاع على تقارير الكفاية التي يكتبها مرؤوسوهم عنهم إلا مثال على ذلك، وأيضاً ليس عدم الاحتكام إلى الانتاجية والالتزام لترقية أو تميز العاملين إلا مثال آخر على الخلل النظامي في مثل هذه المؤسسات.
4- الملاحظة الأخيرة فيما يتعلق بالموضوع لضيق الحيز وليس لقلة الملاحظات، هي ما يتعلق بجانب تقنين آلية المحاسبة، وأعني به هنا واجب جهة العمل المباشرة في مساءلة العاملين بها فيما لو اقتضى الأمر وحقهم في توضيح موقفهم عملاً بالقاعدة الشرعية المتعارف عليها في مجتمعنا والقائلة إنه لا عقوبة بدون ذنب ولا ذنب بدون مساءلة، وتثبت وتحقيق، فمثل هذه المشافهة مهمة ليكون العقاب أو الثواب من جنس العمل، وفي ضوء الدلائل، ولعل في المثال التالي ما يوضح هذه الملاحظة، لقد اطلعت مؤخراً على إحدى الصفحات الإلكترونية لشبكة الإنترنت على رسالة الدكتور غازي عبيد التي بعث بها بصفته رئيساً لمجلس إدارة مؤسسة المدينة الصحفية إلى صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن سلطان بن عبدالعزيز مساعد وزير الإعلام التي يقترح فيها الدكتور عبيد على الأمير تركي بن سلطان إعادة النظر في موقف وزارة الإعلام من مدير عام مؤسسة المدينة الصحفية أ. أحمد محمود بالاحتكام إلى اللوائح والأنظمة في تلك المؤسسة، وذلك من خلال تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الأمر، تطرح الأسئلة وتتيح سماع دفاع المعني ورأيه فيما قد يكون نسب إليه من أسباب دعت الوزارة لاتخاذ ذلك الموقف، ولقد رأيت هنا كيف أن مثل هذه الرسالة لم تكن لترسل لولا الثقة الجمعية من قبل الدكتور عبيد ومن قبل عدد من المواطنين بسعة صدر المرسل إليه وبتمسكه بسياسة المملكة التي أكدها سمو ولي العهد الأمير عبدالله وسمو الأمير سلطان في أكثر من مناسبة بضرورة تدشين عهد جديد من الشفافية والمصارحة في المؤسسات والوزارات، إن هذا المثال الذي نضم صوتنا لما جاء فيه يعبّر عن ضمانة مهمة بالإضافة إلى ما سبق ذكره من ضمانات تطوير النظام العام واللوائح والأنظمة لمؤسساتنا الوطنية الحكومي منها والأهلي بما يحقق مستوى أعلى من الإنتاجية وبما يحقق العدل والمساواة في بيئة العمل ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|