أوروبا بين مطرقة الشرق الأوسط والسندان الأمريكي
لا تملك أوروبا غير الموافقة ولو جزئيا على رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش بالنسبة للشرق الأوسط لأن ذلك أفضل من المخاطرة باستبعادها بالكامل من قبل إدارة بوش للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد أصبحت السيطرة على تدهور العلاقات الأوروبية الأمريكية الهدف الأكثر إلحاحا وواقعية من تحقيق سلام دائم في الأراضي الفلسطينية، كما أن هذا الموقف هو السبيل الوحيد الذي يمكن من خلاله أن تضطلع أوروبا بالمساهمة في عملية السلام في الشرق الأوسط فيما بعد وذلك بالرغم من ان الفجوة العميقة التي تفصل بين الرؤيتين الأمريكية والأوربية بشأن الشرق الأوسط ما زالت قائمة.
كبار المسؤولين في حكومات الدول الرئيسية في أوروبا بذلوا جهدا كبيرا لإخفاء خيبة أملهم من الدعم الأمريكي الكبير للسياسة الإسرائيلية كما ظهر في حديث الرئيس بوش الذي ألقاه في 24 يونيو الماضي، ليس هذا فحسب بل إن الأوربيين امتدحوا تجديد بوش لتعهداته بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام مع إسرائيل.
وفي هذا الصدد يقول وزير الخارجية الفرنسي الجديد دومنيك دو فيلبين قبل أن يغادر واشنطن في أول زيارة له كوزير للخارجية إلى واشنطن انه بات واضحا أن كل اللاعبين الأساسيين في الصراع يؤيدون حلا يقوم على أساس وجود دولتين وفقا لحدود عام 1967 بشكل أساسي، وأضاف انه يؤيد أيضا ضرورة قيام الفلسطينيين بإصلاحات كبرى حتى يمكن لهذه الخطة أن تنجح، أما الألمان فأخذوا «العناصر الحيوية» في خطاب بوش وجعلوا منها نقطة انطلاق لخطة تحرك دبلوماسي طموحة خاصة بهم وفقا لما قاله وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر، ووصف فيشر خطته بأنها محاولة «لبناء جسر يمكن العبور عليه من الأوضاع الحالية إلى دولة فلسطينية كاملة الاستقلال وكاملة المسؤولية».
وقد طرح فيشر خطته رسميا أمام المجموعة الأوروبية ويعتزم طرحها أمام المجموعة الرباعية الراعية للسلام في الشرق الأوسط التي تتشكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وروسيا والأمم المتحدة، تقدم الخطة الألمانية جدولا زمنيا مفصلا لإقامة سلطة طوارئ فلسطينية فورا تتولى إجراء انتخابات بحلول العام القادم، ثم إعلان دولة فلسطينية مؤقتة بنهاية العام القادم قبل البدء في مفاوضات نهائية حول الحدود وغيرها من موضوعات الوضع النهائي مثل مصير القدس واللاجئين في عام 2004، ولكن أهم ما قدمته الخطة الألمانية هو تعيين مجلس الأمن الدولي مندوبين لمراقبة إصلاح السلطة الفلسطينية.
وقال فيشر في حديث مع كاتب هذا المقال انهم يحاولون علاج القصور في اتفاقات أوسلو عام 1993 والتي وضعت السلطة الفلسطينية كلها في يد مجموعة تونس في إشارة إلى الحركة الفلسطينية في المنفى التي كان يرأسها ياسر عرفات.
وقد طالب بوش برحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مقابل تعاون أمريكا في تحقيق السلام، في حين قال الأوربيون ان للفلسطينيين كامل الحق في اختيار قائدهم، ولكن المسكوت عنه في خطة فيشر هو تقديم وسيلة لرحيل عرفات مع حفظ ماء وجهه في الوقت نفسه، يقول فيشر «يجب على عرفات تعيين رئيس للوزراء قوي ومستقل لبدء عملية السلام».
وأضاف يجب وجود مراقبة دولية لتطور هذه العملية والاصلاحات الفلسطينية، ويجب وجود من يراقب بناء الفلسطينيين لمؤسساتهم الجديدة ويجب وجود من يقيم مدى التزامهم بتحقيق الشفافية المالية والسيطرة على عملية التشريع في فلسطين كما حدث في تيمور الشرقية وكوسوفو، والولايات المتحدة هي أفضل من يقوم بهذا الدور، أيضا اتسمت خطة فيشر وعلى عكس كل المقترحات الأوروبية والدولية الأخرى لم تتضمن تشكيل قوة دولية لحفظ السلام في المناطق الفلسطينية المحتلة.
يقول فيشر ان مثل هذا المطلب غير ضروري الآن وربما يكون ضروريا في وقت من الأوقات، لقد تراجعت أوروبا كثيرا عن موقفها السابق الداعم للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وهذا التغير يقدم للولايات المتحدة فرصة كبيرة للأخذ بزمام المبادرة في تشكيل إجماع دولي حول الشرق الأوسط، وفي بعض الأوقات يؤدي اليأس إلى الاعتدال والانفتاح على أفكار جديدة، وخطة فيشر المقترحة تقدم مثل هذه اللحظة العبقرية في أوروبا.
جيم هوجلاند/ واشنطن بوست
معظم حلفاء الولايات المتحدة يؤيدون الرئيس عرفات
|