Wednesday 17th July,200210884العددالاربعاء 7 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يارا يارا
الهواجس الهدّامة في مبنى الجوازات
عبدالله بن بخيت

لا أعتقد أنني الوحيد الذي إذا جلس بين ناس لا يعرفهم يلجأ الى الهواجيس لتبديد الوقت.
شيء طبيعي ان يهوجس الانسان. ولكني اعمل على ترشيد هواجسي لأنها في بعض الأحيان تقود الى افكار هدامة كما ستقرؤون بعد قليل. وللتقليل من الهواجيس اعتدت ان احمل معي كتابا أينما ذهبت، ليس بالضرورة ذلك الكتاب الذي يسميه اخواننا المتجهمون «خير جليس في الزمان». حي الله كتاب يضيع الوقت حتى وان كان يتحدث عن حياة وإنجازات حصيصة الطقاقة. على كل حال الهواجيس ليست كلها رديئة. بعض العلماء استفاد منها واكتشف نظريات علمية عظيمة.
جاء ذلك اليوم الذي قدر علي ان ازور مبنى الجوازات الكائن في طريق الملك فهد ثلاث مرات في ثلاثة ايام متتالية، وأن أبقى فيه كل يوم أربع ساعات متواصلة، ليس تعطيلا منهم والحق يقال ولكن بسبب كثرة أوراقي وقلة معرفتي بالأنظمة والقوانين.
عبأت الأوراق وختمتها من هنا ومن هناك، ثم ذهبت الى الصالة المطلوبة، وسحبت رقما، وجلست مع غيري في انتظار دوري. في هذا الوقت من السنة يكثر المراجعون على الجوازات، وهذا يعني انتظاراً طويلاً، وبالتالي هواجيس كثيرة. بدأت كالعادة بهواجيس خفيفة نوع من الإحماء. بعد ذلك سرت في عالم الخيال متنقلا من هاجوس الى آخر، ثم دخلت مجالات شعرت فيها بتزايد ضربات قلبي مع قليل من الرطوبة في باطن يدي، ثم فجأة احسست انني ادخل في منطقة سوداء محفوفة بالرعب لم يحلم بها حتى مدير عام الجوازات بالمملكة العربية السعودية، ولا مدير عام الدفاع المدني، ولا حتى مدير عام الأمن العام الذي كان في يوم من الأيام مديرا عاما للجوازات. عندما بلغت افكاري ذروتها كدت ان اقفز من مقعدي وأركض ناجيا بجلدي، فمبنى الجوازات بدا مخيفا كأنما تسكنه الأشباح. في لحظة من اللحظات شعرت أنني أصبحت قادرا على قتل ما لا يقل عن الف او ألفي انسان بصرخة واحدة، ماذا لو قفزت واقفا وقبل ان اطلق ساقي للريح صرخت بأعلى صوتي: حريقة يا المسلمين حريقة.
عندما تفكر في الكارثة ستجد ان مبنى الجوازات بالرياض يقسم الموت الى ثلاث مراحل، المرحلة الاولى تبدأ من الصالات المعزولة التي يتجمع فيها المراجعون في الدور الثاني، فعندما تند صرخة واحدة من اي انسان سينقض الناس على المدخل الصغير الذي يشكل المدخل والمخرج الوحيد للصالة وسيؤدي الهلع الى ان يتوطى الناس بعضهم بعضا، فالممر ضيق وطويل ولا يتوفر غيره لمن اراد النجاة بنفسه، طبعا سينجو من ينجو وسيموت من سيموت، ولكن هذه النجاة لن تكون الاخيرة للخروج من المبنى، لأن الناجين سوف يلتقون مع بقية الناجين من الصالات الاخرى في الدرج. والدرج حسب تقديري لا يمكن ان يستوعب اكثر من اربعة اشخاص دفعة واحدة. وهذه المساحة ستكون من نصيب البطرانين والشباب والمحظوظين. اما الباقي فسوف يوافون اخوانهم الذين لقوا حتفهم في الممرات التي ذكرناها. بعد ذلك سيصبح امام الناجين المرعوبين الهابطين من الدرج طريقان اما الاتجاه عن يمين البوفيه ثم الخروج من الباب الصغير المؤدي الى الشارع الخلفي الذي تجلس امامه الشحاذة، وهو باب صغير لا يستوعب اكثر من اثنين في نفس الوقت. اما الجزء الثاني من الفارين وهو الجزء الأكبر فسوف يتجه الى اليسار من البوفيه وهذا سيقوده الى الباب الرئيسي، الذي يستوعب اكثر من اربعة اشخاص دفعة واحدة. قد يبدو ان حظ الذين سيتجهون الى هذا الباب اكبر، هذا غير صحيح لأن معظم المراجعين لا يعرفون الا هذا الباب، لذا ستتجه الاغلبية اليه. وبالتالي سوف تكون درجة التقاتل أشد وأقسى. وأخيراً ارجو من الاخوة المراجعين الا يخطر ببالهم فكرة الفرار من النوافذ لأنها متربسة بحديد لا يمكن ان يمزقه إلا من أحضر معه قنابل نووية.
أنا لا «أتفاول» على الناس بالشر ولكن ما حدث لبنات مكة يمكن ان يحدث لرجال الرياض، فالأسباب نفسها، عدم توفر مخارج للنجاة في مكان مزدحم بالبشر. امام الاخوة في الجوازات إما إعادة تصميم المبنى حتى يكون قادرا على إخلاء آلاف المراجعين في وقت قياسي، أو تأمين مجموعة من الكتب والجرائد لمنع الهواجيس الهدامة.

فاكس 4702164

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved