Wednesday 17th July,200210884العددالاربعاء 7 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

دفق قلم دفق قلم
والصبح إذا تنفَّس
عبدالرحمن صالح العشماوي

هل يتنفَّس الصُّبح؟؟ نعم - والله - إنَّ أنفاسه المشرقة لتملأ الآفاق، وتنعش الأزهار، وتوقظ الأطيار.
نعم إنَّ الصبح ليتنفَّس بأجمل أنفاسٍ سمعتها أذن، ورأت آثارها عينٌ، وأدرك معنى جمالها وجلالها عقل، وعاش صفاءها ونقاءَها وجدان.
هناك حين يبدأ استسلام جيوش الظلام لبوارق الفجر المقبل، وسهام النور النافذة، وحين تعلن نسمات السَّحَر الطاهرة أن الدنيا تقف على النقطة الفاصلة بين الليل الذي يحمل على ظهر ظلمائه حقيبةَ رحيله، وبين النهار الذي تبدو بشائره، وتنفرج على تغريد العصافير سرائره.
هناك يتنفَّس الصُّبح، وتلوح بواكيره، وتظهر على وجه الأفق بشاشة نوره القادم، وإشراقة ثغره الباسم..
- سبحان الله العظيم-، ما أجملها من صورة، وما أبلغه من تعبير، وما أعظمه من تصوير..
{وّالصٍَبًحٌ إذّا تّنّفَّسّ} آية كريمة من سورة التكوير توجز لنا في عباراتٍ ثلاث ما يجري في الكون من نقلة عجيبة حينما ينقشع الظلام، ويبدأ انتشار الضياء، أُفُقٌ تزول قَتَامتُه، وتَنْزاح جَهَامتُه، وتخفُّ سَطْوَةُ ظلامه، وتنفرج أسارير وجهه، وترى العين بوضوح لا تشوبه شائبة كيف يبدأ نور الفجر خفيفاً رقيقاً شفيفاً، وكيف تتلاشى جَهَامَةُ الليل وعُبوس ظلامه، وتسمع الأذن تلك الأنفاس الصباحية الساحرة، التي تتجلَّى في هبَّات نسيم الفجر العليل، وفي أنغامٍ بديعةٍ ترسلها أصوات العصافير بعشرات الألحان والنغمات تنساب مع أنفاس الصباح في تناسُقٍ وتناغم عجيب، لا اضطراب فيه ولا نشاز، أصوات مختلفة ولكنها متناسقة، وأنغام متعدِّدة ولكنها منسجمة - كلَّ الانسجام - وكأنها تقف جميعها على مسرح واحدٍ تؤدي ألحانها باتفاق وتنسيق، مع أن واقع حالها يؤكد أنها تطير - وهي ترسل أنغام تغريدها - من غصن الى غصن، لكلِّ جنسٍ منها سربُه الذي يغرِّد معه، ولحنه الذي يخصُّه دون سواه.
نعم، إنها أَنْفاس الصباح العَطِرَة التي تتجلَّى في تلك الحركة التي تدبُّ في سكون الليل، وتنتقل بها الحياة من هدوء الليل وسكونه، الى حركة النهار الدائبة التي لا يوجد تعبيرٌ يصوِّرها أدقَّ وأجمل من عبارة «التنفُّس».
{وّالصٍَبًحٌ إذّا تّنّفَّسّ} آية قرآنية كريمة تصوِّر لنا الوجه الحقيقي للحياة مع إشراقة ضَوْء الصباح، ذلك الوجه الضاحك المشرق، الذي يسبِّح لله، وينظر الى ملكوته العظيم، والذي يطفح بالعزيمة والنشاط، ويعلن بابتسامته بدايةَ العمل، وانطلاق الحركة بعد السكون.
ما أجمل أنفاس الصباح.. وما أعظم هذا النور الذي ينتشر في الآفاق، وما أحسن هذه الأسراب من الطيور التي تتناغم مع إشراقة وجه الصباح، وهمسات أنفاسه المضيئة معلنةً بألحان تغريدها أن لباس الليل قد انكشف، وأن رحلة النوم قد انتهت، وأن الكون بما فيه ومن فيه قد بدأ حياة جديدة في يوم جديد.
كلُّ شيءٍ تراه العين يستيقظ ليشهد هذا المهرجان الكونيَّ العجيب، الظلام ينجلي، والصبح يتنفَّس، والطيور تغرِّد، والأزهار تنتعش، والمخلوقات جميعها تعيش أجواء هذه الرحلة الرائعة.
هنالك صنفٌ واحد من مخلوقاتِ الله يحرِم نفسَه من هذا المشهد البديع، لأنه يستغرق في نومه وسُباته العميق - إنه الإنسان -، الإنسان المعاصر الذي يمزِّق سكون الليل بسهره، ويُحرَم من أنفاس الصباح بنومه.
إشارة:


ولا تجزعي من ظُلمةِ الليل، إنها
لتحمل في أحشائها نُطْفَةَ الفجرِ

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved