Sunday 14th July,200210881العددالأحد 4 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

نوافذ نوافذ
المقصلة
أميمة الخميس

عندما هجم المغول على حاضرة الخلافة العباسية بغداد عام «656» تروي لنا كتب التاريخ تلك الحادثة التاريخية الشهيرة التي جعلت نهر دجلة يصطبغ باللون الداكن نتيجة لحبر مئات الكتب التي قذفت في النهر نتيجة للغزو الهمجي الذي أراد أن يزيل جميع ملامح التمدن والحضارة الإنسانية آنذاك ويستبدلها بالخراب والدمار.
وكما هو معروف تاريخياً أيضاً أن الأنظمة المتسلطة القمعية هي انظمة بربرية ضد العقل والفكر والنتاج الحضاري السامي وتستبدل كل هذا بلغة السيف والسراديب والأقبية.
وقد بثت الفضائية العراقية يوم الجمعة الماضي برنامجاً يدعى «شارع المتنبي» حيث تقدم فيه بعض اللقاءات والأحداث الثقافية من خلال ذلك الشارع، وهو شارع كبير لبيع الكتب، حيث تفترش تراب ذلك الشارع الآلاف من الكتب ذليلة حسيرة منكسة الرايات، بعد ان كانت تتوهج في المكتبات الخاصة بأنفة وكبرياء، لكن أصحابها اضطروا ان يبيعوها بأبخس الأثمان نتيجة للوضع الاقتصادي المعسر في العراق.
إنها مذبحة للكتب تبدو شديدة الشبه بمذبحة المغول القديمة فتلك الكتب التي كانت تفترش الأرصفة بين أحذية المارة وتراب الطريق ضلت طريقها الى العقول، العقول شديدة الانشغال بلقمة العيش العسرة عن غذاء العقل والروح تماماً كما ضاعت زبدة أو خلاصة الحقبة الذهبية الإسلامية في قاع النهر.
والأنظمة التوتالرية أسيرة الحزب الواحد أو الفكر الواحد أو الحقيقة المطلقة سواء كانت غازية قادمة من الخارج أو أنها محلية، هي أنظمة قامعة للفكر وجميع أشكال النتاج الحضاري والإنساني، ولا مكان للكتاب فوق أرففها سوى تلك الكتب الخاوية السطحية التي تمجد نظامها وتتزلف له وما سوى ذلك قد يرمى في النهر أو يفترش أتربة الطريق.
يقول الأديب الروسي «سولجستين» «بداخل النظام الشمولي لا يوجد هناك أدب حقيقي».
لأنه ببساطة الأدب الحقيقي نابع من الحياة من تقلباتها وتحولاتها وألوانها المتعددة ووجوهها اللامتناهية من تعددية منظور الرؤية لديها بحسب تعدد البشر واختلافهم، وهو بالتأكيد بحاجة الى مساحات متسعة ومضمار فسيح لا تخنقه أسوار وسدود، وقد استبدل النظام العراقي كل هذا واكتفى بروايات القائد الرئيس الخالدة، والتي ستصبح من العام القادم أحد المقررات المنهجية على طلبة المدارس.
بينما تظل بقية الكتب التي كانت تمثِّل عصارة الفكر الإنساني متلفعة بتراب الخيبة والهوان في شارع المتنبي.
ولو رآها «أبو محسد» لقال:


خليلاي دون الناس حزن وعبرة
على فقد من أحببت ما لهما فقد
تلج دموعي بالجفون كأنما
جفوني لعيني كل باكية خد
ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى
عدواً له ما من صداقته بد

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved