هل جرَّب أحدكم أن يقتات السَّراب؟!
ولماذا يذهب المفكرون كثيراً في مناجاته، والحديث عنه، ودسِّه في تركيبة ما يكتبون، وفي أنسجة ما يفكرون؟.. لماذا يكون للسَّراب هذه الهيمنة وهو مجرد سراب، كلَّما امتلأت به عينك، تلاشى وأنت تقترب منه؟..
ولماذا تبدو أنهار السَّراب حلماً للحالمين، وطبقاً للجياع، ورافداً للعطاشى؟
لماذا يمتد الطريق السَّرابي بالراحلين في مسافات الانطلاق؟
ولماذا تكتظُّ دروبهم بالسَّراب فلا تقتاتهم الوحشة، ولا تحيط بهم الغربة في حضرة السَّراب؟
الأنَّ السَّراب يبرق، ويلمع، ويمنح انعكاسة السماء، وفسحة الضياء والبهاء، ولون النور، وحلم الزُّرقة في انبساطة المدى.. أم لأنَّ الإنسان في رحلة التَّمادي.. توحشه غربة الطرق، وتأكله أوهام الوحدة..، وتعكِّر عليه صفوه فراغات الطريق؟.. والسَّراب وحده في مداه الذي يستمر مهما اجتثَّ الطريق أطرافه، فلا وحشة، ولا غربة، ولا أوهام، ولا كدر؟..
الطريق في حضرة السَّراب مليء، دافئ، مضيء،..
والطريق في حضرة الظلام مهيمنٌ، يلتهم حتى رؤية الإنسان لنفسه..
فهل جرَّب أحدكم أن يقتات السَّراب؟ وكلَّما أكل منه جزءاً وجده يمتد لا ينتهي به في لحظة ما؟!
ربَّما لأنَّ للسَّراب هذه السِّمة.. ظلَّ رفيق المفكرين، ومحور الحالمين، وزميل الراحلين..
لكنَّه الطُّعْم..
ذلك الذي عندما يتفقَّد الإنسان ما اقتات.. يجد أنَّه جائع لم يشبع، وحالم لم يصل، وماضٍ ولكنَّه وحيد، تلفُّه الغربة، ويحتويه الفراغ..
تلك هي وحشة الحقيقة..
ذلكم هو السَّراب.
|