توفي ثلاثة ملايين شخص في حرب فيتنام ، هذه إحصائية مثيرة للاهتمام أشار إليها دافيد لامب في هذا الكتاب، حيث يضع الدور الأمريكي في فيتنام في إطار جديد، إنها طريقة جديدة للنظر إلى ضحايا حرب فيتنام.
رغم خسائر فيتنام الفادحة، يصف لامب أمة شجاعة وشعبا متسامحا كرس نفسه لإعادة البناء وإعادة الأمور إلى نصابها، ولامب هو المراسل الحربي الأمريكي الوحيد الذي عاش في هانوي بعد الحرب، وقد قام بالعمل كمراسل لوكالة «يونيتدبرس إنترناشيونال» في أواخر الستينات وعاد إلى فيتنام عام 1997 لإنشاء مكتب جنوب شرق آسيا لجريدة «لويس أنجلوس تايمز»، وقد عاد إلى الولايات المتحدة ويواصل الكتابة في هذه الجريدة.
وعبر وصف البلد الذي قام بتغيير جذري على مدى ربع قرن منذ مغادرته الأولى، يفسر لامب تطور العلاقة الأمريكية - الفيتنامية وتناقص نفوذ الحزب الشيوعي والتقدير المتزايد للرأسمالية والنفوذ الهائل «للفيت كيو» أو الفيتناميين عبر البحار والفروق السياسية والاجتماعية التي لا تزال قوية بين شعبي فيتنام الشمالية والجنوبية ، ويتحدث في قلب روايته عن الشعب الفيتنامي الذي لا يُقهر والذي يصفه بأنه شعب مكافح لأقصى حد، ومتفائل لأقصى درجة، ولا يعرف الكلل لدرجة أنه يشعر المرء بأنه كان لا بد أن ينتصر على الولايات المتحدة ببساطة لأنه لا يعرف الهزيمة.
ويقدم لامب صورة لأمة متشعبة دمرتها الحرب تقريبا ولكن أبناءها الذين لا يعرفون اليأس ليس لديهم وقت لذرف الدمع أو الرثاء لأنفسهم ، وكل من قابلهم في هانوي فوق سن الخامسة والأربعين كانوا جميعا على وجه التقريب جنوداً أثناء الحرب، ولدي معظمهم «حكايات مخيفة عن المعارك والغارات أثناء حقبة هوشى منه». ومع ذلك فإنه يندهش من أنه «لم تصدر من أحد فيهم أية بادرة تدل على اعتباري أو اعتبار الولايات المتحدة عدواً لهم».
ويقدم بنجوين زوان نجين ، مدير إحدى عيادات تقويم الأعضاء في أكبر مستشفيات هانوي وأحد أعضاء الحزب الشيوعي، مثالا على تعاطف الفيتناميين مع الأمريكيين، كما يوضح مدى التفهم الكبير ( إذ لم يكن الكامل ) لتعقيد السياسة الأمريكية خلال الحرب فيقول :«إن القادة الأمريكيين هم من حاولوا تدميرنا ، وليس الشعب»، فالشعب الأمريكي كان يعارض الحرب، وكان قوة مؤثرة أدت إلى إيقاف الحرب، وكذلك كان الصحفيون، لقد كانوا هم ضمير البلاد».
يقول مؤلف الكتاب : «إن ما يعجب به د. بنجين في الولايات المتحدة- أي حق الرفض وتحدي سياسة القادة المنتخبين - هو بالضبط ما تنكره حكومته»، وهذه الثنائية المحيرة المتمثلة في اعتناق فيتنام الغريزي للرأسمالية والديموقراطية الغربية مختلطا بالتسامح مع الشيوعية العميقة ، هي ما يقوم لامب بشرحه بمهارة فائقة. ويشير لامب إلى «أن القيادة الشيوعية القديمة للشمال يمكنها أن تدفن رأسها في رمال النظرية الماركسية الاقتصادية، ولكن الغالبية العظمي تتطلع
إلى النموذج الذي تمثله سايجون ، أي اقتصاد يكافئ المجتهدين ويشجع المشروعات الخاصة ويقدر القيم الليبرالية ويحرر نفسه من السيطرة الحكومية الجامدة».
وهناك ثنائية أخرى يقوم لامب بسبر غورها ألا وهي شمولية الحزب الشيوعي وفي نفس الوقت عدم ملاءمتها لمعظم الفيتناميين ، و فيتنام - كما يقول لامب - هي مجتمع مفتوح نسبيا ، كنموذج مصغر للسوق المفتوح للصين دون قمع سياسي واجتماعي.
ومع ذلك ، مهما حاول القادة الشيوعيون ، يعتقد لامب أنهم لا يستطيعون السيطرة على ما يؤمن به المواطنون الفيتناميون عن العالم وما يحاولون الوصول إليه.
ويقول لامب إن الحزب لم يحاول السيطرة على الاقتصاد ، ولكنه فشل في جلب الرخاء لفيتنام كما توقع الكثيرون في أوائل التسعينات ، وعلى الرغم من العديد من الأشياء التي تقلقه ، غادر هانوي في عام 2001 مليئا بالتفاؤل بشأن مستقبل البلد ، ويقول في الختام «إنها أمة ملهمة لأن الشعب صمد في الأزمنة الصعبة، خلال الحرب وبعدها ، وكان من القوة لكي ينسى الماضي ، ويمضي على درب السلام ويتواصل مع أشخاص مثلي كانوا في وقت ما عدواً له».
المؤلف : David Lamb الناشر : Public Affairs |