يواجه التعليم العالي في المملكة العربية السعودية عدة قضايا وتحديات تحول دون إحداث عملية توازن بين اعداد الخريجين واعداد المقبولين سواء في الدراسة الجامعية أو الدراسات العليا.ولعل أهم تلك القضايا ازدياد عدد السكان، وازدياد الطلب على التعليم العالي، وقلة الفرص المتاحة أمام الطلاب للالتحاق في التعليم الجامعي، وعجز البنية التحتية عن تحقيق رغبات هؤلاء الطلاب. وهذا مجمل ما ورد في حديث معالي الدكتور خالد بن محمد العنقري وزير التعليم العالي في المحاضرة التي ألقاها ضمن نشاطات الملحقية الثقافية السعودية بدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تحدث فيها عن التعليم العالي في الوطن العربي - تاريخه ومستقبله-.
وقد أورد معاليه عدداً من الخطوات التي قامت بها الوزارة لحل تلك القضايا، وأهمها قيام المؤسسات التعليمية في المملكة بتجاوز الأعداد المحددة لها، وقبول عدد أكبر من الطلاب، والعمل على إنشاء كليات المجتمع، والدبلوم المتوسط الملائم لسوق العمل، مع فتح المجال أمام الخريجين المتميزين من هذه الكليات والمعاهد لإكمال دراستهم في الجامعات.
هذا الطرح الرزين يدل على الاهتمام في درجاته القصوى بأمر التعليم العالي والقدرة على تجاوز المشاكل التي تعترض هذا التعليم، كما انه يدل على بصيرة ثاقبة ورؤية صحيحة للأوضاع التي تسود حقل التعليم العالي في ظل الطلب المتزايد على الالتحاق به.
ومع ما في هذه السياسة من سعة في الأفق، إلا انها تبقى في حاجة ماسة إلى آلية تنفيذية مرنة في الأقسام الداخلية للمؤسسات التعليمية توازي هذه المرونة الحكيمة التي وردت في حديث معالي الوزير بالشارقة.
فمع الأعداد الكبيرة المقبولة في الجامعات والتي قد تتجاوز القدرة الاستيعابية لها، إلا ان المطلع على واقع التعليم العالي في مؤسساته المختلفة، ربما يصاب بالدهشة حين يرى أعداد المقبولين للدراسات العليا أقل من أصابع اليد الواحدة وأقل من القدرة الاستيعابية لهذه الأقسام.
فعلى سبيل المثال، فإنني من خلال تجربتي الطويلة في مجال الدراسات العليا، لم يزد عدد الطالبات المقبولات في كلية التربية عن ست طالبات، ويحدث دائماً ان يتسرب أكثر من نصف هذا العدد في الشهر الأول من الدراسة وهو ما يعني بقاء طالبتين أو طالبة واحدة فقط في برنامج الماجستير والدكتوراه، وهما العددان الثابتان طوال فترة تدريسي لهاتين المرحلتين.
هذا يعني بالضرورة هدراً للإمكانات المتوفرة في الجامعات، وليس لذلك سبب إلا عدم وجود المرونة في سياسة القبول على مستوى الأقسام، وفي وضع الشروط المرنة أيضاً للمقبولين. مثل مسألة تفرغ الطالب الملتحق الذي تصر هذه الشروط على تفرغه أولاً، بينما تصر الجهة التي يعمل لديها على حصوله على القبول أولاً وبين الشد القائم بين طرفي هذه المعادلة تضيع الفرصة على الطالب للالتحاق ببرنامج الدراسات العليا..النوايا الحسنة وحدها لا تنجز أهدافاً، بل لابد ان يقترن التخطيط السليم.. والعمل الجاد مع هذه النوايا لنصل لتلك الأهداف، وإلا فإننا سنمضي عشرات السنوات الإضافية ولا يتخرج في كل مرة من كلياتنا العليا إلا طالبة واحدة تناقض الأعداد المفتوحة لجيوش الخريجين كل عام.. وتاليتها؟!
|