Thursday 11th July,200210878العددالخميس 1 ,جمادى الاولى 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

ثقافة الفهلوة ثقافة الفهلوة
فؤاد أحمد البراهيم

قرر «خلفان بن هذربان» أن يصبح مثقفاً وكاتباً كبيراً. وأمام تحديات واحباطات.. وفضائيات.. وتخلف الأمة العربية في المرحلة الراهنة رأى أن من واجبه أن يكون فاعلاً وكاتباً لا محايداً ولا متقاعساً ولا متقوقعاً على الاطلاق، وأن يأتي بالمعجزة الكبرى بمقاله الذي سيغير الواقع المهزوم!
رأي أن عليه لكي يكون مثقفاً أن يقتني الكتب، حتى أصبحت رائحة الكتب لكثرتها في بيته كرائحة الجت، وأخذ يتعولف ثقافياً بكل ما هب ودب حتى سمن وغدا كالخروف المستورد بلا نكهة. من كثرة القراءة ضعف نظره ولبس نظارة السيد مكاوي الجديدة، وأمام المرآة يشاهد نفسه وكأنه تحول من شكل سواق حافلات إلى بروفيسور مثقف ينطق بفلسفة وحكمة! في البداية أخذ يشعر كأن النظارة مشبك غسيل يعض على أنفه إلا أنه رضي بذلك من أجل شكله الذي تحول إلى انسان مثقف. قبل أن يبدأ حديثه يتنحنح ويثبت النظارة فللنظارة سحرها الثقافي! وليس أمامه وهو ينظر من خلف تلك النظارة ذات الشنبر الثقافي إلى ذلك الفن الرمزي سواء في الرسومات أو الشعر أو الفلسفات وحتى لا يقال أنه لا يفهم شيئاً إلا رفع الحواجب واظهار الاعجاب وهز الرأس وترديد كلمة واحدة فقط: روعة.. روعة. وبصفته مثقفاً جاداً ملتزماً بقضايا أمته لم يعد لديه مجال للهو أو السخرية.. وللمجاملة يكتفي بابتسامة مصطنعة، يضحك ضحكة هي أقرب إلى الكحة، وإذا سأله أحد: لماذا لا تكون تلقائياً؟ يرد عليه: «أنا بكل صراحة ثقافي النخاع».
لكي يكون كاتباً صحفياً رأى أن يختصر كتاباته لأنه لم يعد عند القارئ العصري وقت يسمح بقراءة المقالات والروايات المطولة المفصلة، حسب تصوره، ثم لا معنى لتضييع وقت القارئ إذا استطعنا أن نصل إلى الطريقة التي تجعل القارئ يدرك ما نريد أن نقوله في ربع ساعة خلال ثانية واحدة! وهذه الرواية في مجلدات نكتبها في سطر! فأيام مجلدات العقد الفريد أو مجلدات الأغاني ذهبت، لأن الانسان القديم فاضي قراءة وكتابة، أما الانسان العصري فيقرأ الصحيفة كلها في ربع دقيقة إذا رآها في مركز التموين أو القرطاسية دون أن يأخذها معه، وبدأ يكتب مقاله الأسبوعي مقال ثقافي رائع بدليل أن كاتبه لم يفهم منه ولا كلمة.
واشتهر كاتبنا الثقافي «خلفان بن هذربان» وأخذ المذيعون والصحفيون يجرون معه المقابلات، وفي لقاء له أجراه أحد الصحفيين المغمورين جرى فيه الحوار التالي:
- الصحفي: سيد «خلفان بن هذربان» السؤال الذي يطرح نفسه بقسوة وعنف، ليجمع اجابات متناثرة ثم ما يلبث أن يقسمها إرباً إرباً لعدم قناعته بما حوله من اجابات صادرة ثم يتعدى بذلك إلى ضربها عرض الحائط.. فيمارس بذلك العمليات الحسابية الأربع بعزيمة وهمة مع شد الشعر واللطم للضيق والتبرم، ما هو رأيك بشباب هذه الأيام؟
- خلفان: في الواقع أن هؤلاء الشباب الذين يحلقون رؤوسهم «كابوريا» هؤلاء ضحايا حلاقين عملاء للاستعمار والامبريالية والحلمنتيشية والكومبرودارية والكابورية، وكل ما ينتهي ب يه.. يه..يه.. من أنواع العمالة لأنهم يحاولون تشويه صورة تلك الفئة البريئة من جيل المستقبل.
- الصحفي: العلم في تطور مستمر، وأخيراً نسمع عن قضية الاستنساخ، ما رأيك في هذا الموضوع؟
- خلفان: الحقيقة أن المنطلق الأيدلوجي للمفهوم الابداعي المنبثق من تداعيات الزخم المرحلي للطرح المأساوي لقضية الخروف «دولي» وخروف الأضحية تحتم علينا النظر بعمق أكثر لاشكالية العلاقة بين الانسان والحيوان.
- الصحفي: سؤالي الأخير يا أستاذنا: آخر التقانات في العصر الحديث البث الرقمي وشبكة الانترنت التي ربطت أجزاء هذا الكوكب، ما هو أثرها الفاعل في الثقافة الكونية؟
- خلفان: الاجابة على سؤالك في غاية الخطورة، فالأمة مهددة في ثقافتها وشبابها وأمتها، الانترنت وسيلة تقنية متقدمة تهدف لنشر الجنس بين الأطفال وتعليمهم طرق صناعة القنابل، إنها وسيلة تستخدمها الدول الاستعمارية البعبعية الشبحية للتنصت من خلال نظام دقيق للمراقبة، إنها وسيلة تكنولوجية متطورة يستخدمها جنس الرجال المريض بتبادل الصور من ضاحاياه من النساء، مما يرفع معدلات الاعتداء وحوادث الاغتصاب، وينشر الآثام والموبقات في كل بيت!!
ربما نضحك على مثقفنا المزعوم إلا أن هناك الكثير من مدعي الثقافة لا تبعد كثيراً عن «ابن هذربان»، فخطاب بعضهم الثقافي خطاب مليء بالانهزامية والتخويف من الآخر والعدوانية على النفس وعلى الذات وعلى التاريخ والمستقبل وعلى كل شيء. وبعض المثقفين عمد إلى انهاء دور المثقف مطلقاً وشل فكر النظام الثقافي بإبقاء النخب المثقفة خارج دائرة العصر فكأنه قادم إلى قراءة من الزمن الاغريقي، يمعن في الحديث عن قضايا أغلقت صفحاتها من قديم الزمان يتناولها كأنها موضوع الساعة وشغل الناس الشاغل، والحقيقة أن المثقف مرآة لمجتمعه يترجم نبض المجتمع وهمومه وآلامه، وفي أحسن الأحوال هذه النمطية من المثقفين لا يعكس إلا ما بداخله ولا يسمع صراخ الناس، وبداخله يتربع أبو فراس الحمداني حين يقول:


معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر

وأخيراً لا نملك إلا أن نقول لأمثال هؤلاء مدعي الثقافة إلا مقال أبو نواس:


فقل لمن يدعي في العلم فلسفة
حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء

الجبيل الصناعية

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved