من «الخديعة» كيف تنجو...
وقد غدت تتسرب من، وتتسلل إلى كلِّ مسامَّة من مسامَّات الحياة، وتجري في شرايينها، وأوردتها الدقيقة...
ولأنَّ «الخديعة» هي نوع من الثمار الفاسدة في بستان الأخلاق، فإنَّ الفاضلين عادة ما يجتثّوها، ويعملون على إبادتها، والتَّحصين من ثمَّ من آثارها، كي تنهض أشجار الأخلاق سليمة، وتنمو ثمارها صحيحة لا يعتوِرها فساد «الخديعة»...
«فالخديعة»... هي صنو «الخداع» بل هي الخداع ذاته، غير أنَّها ذات خصوصية التفرُّد بصفتها، بينما الخداع هو ذو الشموليَّة بصفته...
فالإنسان استمرأ التعامل مع «المفاهيم» الطارئة لتيسير معيشته، فاتخذ أقصر الطرق لتحقيقها، وتسربت وسائل الخديعة وبذورها ضمن وسائل التيسير هذه، وهي لم تتوقَّف على الفعل، بل بدأت بالرَّطْب اللَّين من القول...
فالغش في التجارة خديعة...
والوسائل المغرية كالهدايا، والعمولات، والألوان، والأضواء التي تُقدم، وتقدم لكلِّ موقف وفي كلِّ أمر هي وسائل «خداع» لا يدركها السُّذج، ويقع في فخِّها «طيِّب النيَّة».
والإعلانات «المفخَّمة» ، والدعايات المغرية هي أساليب ضمن أساليبها... والنَّاس تذهب مع كلِّ هذا مذهباً استسلامياً لا حذر فيه، ولا تفكِّر عنده تقف به حائلاً دون الوقوع في فخِّ الخديعة...
فكم ابتاع إنسان شيئاً وبمجرَّد استخدامه لم يجد فيه مواصفات الدعاية له، وكم أكل الإنسان شيئاً وازدرد معه السمَّ وهو لم يذهب يفكر في خلوِّ ما سمع عنه من الخديعة...
وتغري الإنسان الأمور الصغيرة التي تضمُّ في ثناياها ما هو أبعد ممَّا يعود على الإنسان بالوبال، أو الخسارة، أو الفقد، أو الندم... أو الضياع ذلك لأنَّ ليس من أمر من أمور الحياة الآن يخلو، ويصفو، ويتجرَّد...
وعند السؤال عن السبب وراء ذلك تكون الربحيَّة وحدها هي الدَّافع، ويكون الجاه الدنيوي وراءه.
ولا يقف الخداع، ولا تقف الخديعة عند الأمور الماديَّة فقط في حياة البشر، بل تمتد إلى أموره الفكريَّة، والعلميَّة، والاجتماعيَّة العام منها والخاص، بل الوجدانيَّة، والخديعة على هذا الوجه هي الفاعلة في السَّرقة...
فكلُّ ما تخسره بها وعنها هو مسروق منك...، ربح لغيرك...
فكم سُرق منكم، وما الذي سُرق؟
وما الذي ربحه السارقون المخادعون؟
ألا يحتاج بستان الأخلاق أن يعاد النَّظر في حرثه وزرعه وتحصينه وتطهيره من غدر الخديعة؟
وسرقة الخداع؟....
و...
كيف تنجو أيُّها الإنسان من الإنسان؟
في زمن أصبح مصطلح الإنسان لعبة ملوَّنة مضيئة تحركها أزرة بين الأصابع.
|