* بون - معهد جوته انترناسيونس:
تعدّ ألمانيا من أبرز الدول الأوروبية والأجنبية التي اهتمت بالدراسات الشرقية والعربية والإسلامية، وأوائلها، إذ يعود تاريخ الاستشراق الالماني الى أوائل القرن الثامن عشر ووصل إلى قمته خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ولم يلبث ان تراجع خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ولكنه لم يلبث ان عاد إلى الازدهار خلال فترة الستينيات والسبعينيات وما بعدها نظرة لزيادة الاهتمام بالعالمين العربي والإسلامي، لأسباب سياسية واقتصادية، حيث عادت الجامعات ومعاهد الاستشراق الالمانية الى احياء نشاطها الثقافي والعلمي والأكاديمي المتعلق بالحضارتين العربية والإسلامية، وفتحت أبوابها للطلبة والباحثين الألمان الراغبين في تعلم اللغة العربية والاطلاع على الثقافة العربية القديمة والمعاصرة، وتاريخ الحضارة الإسلامية في العام، في الوقت الذي برز فيه، خلال النصف الثاني من القرن العشرين المنصرم، جيل جديد من الأساتذة والبحاثة الجامعيين الألمان، الذين أخذوا على عاتقهم متابعة المهمة الثقافية والعلمية والفكرية التي بدأها رواد الاستشراق الألماني خلال القرنين الماضيين والذين اتصفت اعمالهم بالروح العلمية والتجرد الأكاديمي والبعد عن الغايات السياسية والاستعمارية والدينية، تجاه العرب والإسلام والحضارة العربية - الإسلامية.
ومازالت فروع الدراسات العربية والإسلامية وعلوم الاستشراق في الجامعات الألمانية، كجامعات برلين وبون وفرانكفورت وفرايبورج وتوبينجن وجوتينجن ولايبزيغ، تدرس لطلابها وطالباتها الألمان، الأعمال والانجازات الخالدة التي ارتبطت بأسماء رواد علم الاستشراق الالمان وساهموا في ترجمة النصوص العربية القديمة ونشرها بالألمانية، وقاموا بفهرسة المخطوطات العربية والاهتمام بمعاجم اللغات الشرقية والدراسات الثقافية والفكرية الإسلامية، وفق المنهج العلمي الدقيق، كيوهان ياكوب رايسكه، ويوريف فون هامر، بورجستال، وهاينريش بارت وفريديش روكرت وتيودور نولدكه وجورج ياكوب وكارل بركلمان وهلموت رايتر.. حتى رواد علم الاستشراق الحديث والمعاصر كالبروفسورة الدكتورة أنا ماري شيمل، وأساتذة اللغة العربية والشرقية والحضارتين العربية والإسلامية الذين يعكفون حاليا على تطوير الاستشراق الألماني، واحتذاب المزيد من طلبته ودارسيه في الجامعات والمعاهد الألمانية، بينهم عدد غير قليل من الأستاذة الجامعيين العرب، الذين درسوا في ألمانيا ويساهمون اليوم في دعم مسيرة علم الاستشراق، جنبا إلى جنب مع زملائهم الألمان.
جامعتا بون ولايبزيغ:
ولعل أوضح مثال حي على الجامعات الالمانية التي تجتذب معاهد الاستشراق والدراسات العربية والإسلامية الطلبة الالمان والأجانب للدراسة فيها ومتابعة التخصص في فروع علم الاستشراق، هما جامعتا بون في غرب المانيا ولايبزيغ في شرقها، فجامعة بون المعروفةباسم جامعة «فريديش فيلهلم» تحمل اسم ملك بروسيا فريدريش فيلهلم الثاني الذي أنشأها في عام 1818 وتضم اليوم حوالي 38 ألف طالب وطالبة بينهم 3700 من الطلبة الأجانب، وترتبط بعلاقات وثيقة مع الجامعات والمراكز العلمية في مختلف أنحاء العالم، وتضم قسما خاصا للدراسات الشرقية والعربية والإسلامية واللغات العربية والتركية والفارسية والقبطية والسورية/ الآرامية.
ويستطيع طلبة هذا القسم التابع لجامعة بون، في الفصل الدراسي الجامعي الصيفي لعام 2002 الحالي اختيار مجموعة من الدروس والأبحاث المتخصصة، كتلك المتعلقة بالدراسات السامية والشرق المسيحي، كتاريخ الأدب المسيحي القديم، ودراسة الانجيل القديم باللغة القبطية، ودراسات تحليلية لبعض أجزاء ملحمة قلقامش، وقواعد اللغة الآرامية التي تحدث بها السيد المسيح، إلى جانب دراسة العلوم العربية والإسلامية ومنها دراسة تمهيدية لتاريخ البلاد الاسلامية، وأخرى تتعلق بتاريخ الدولة العثمانية، ودراسة لغوية للقرآن الكريم، واللغة العربية الفصحى، واللغة العبرية، وقراءات في الأدب التركي، كما يحتوي برنامج هذا الفصل الجامعي، أيضا دراسة حول الادب العربي في المهجر، وقراءات في الصحف العربية، ودراسة حول تاريخ المملكة المغربية ونظامها السياسي والاجتماعي، وبحث تمهيدي لمؤرخي فترة حكم المماليك، ودراسة تتعلق بالإسلام السياسي، وكذلك دراسة تطبيقية حول الاذاعات العربية واللغة الاعلامية المستخدمة فيها..
ويتطلع قسم الاستشراق والدراسات الاسلامية والشرقية التابع لجامعة لايبزيغ الالمانية إلى تاريخ طويل من الابحاث العلمية والانجازات الفكرية في المضمار الذي يعمل فيه، إذ يوفر هذا القسم، الذي يعود تاريخ إنشائه الى عام 1728 والذي لمعت فيه أسماء بارزة من البحاثة والعلماء والأساتذة الجامعيين الألمان، ويفتح أبوابه اليوم للدراسات العليا في ميدان الفلسفة العربية والإسلامية والشرقية بآفاقها المختلفة والواسعة، للطلبة الألمان والأجانب الدارسين فيه فرصة التخصص في عدة فروع، بينها ثقافة بلاد الشرق الأدبي وتاريخها ودراسات الأدب والشعر العربي، القديم والمعاصر، والفلسفة الإسلامية والشرقية، الى جانب ما يوفره القسم لاعداد شهادة الماجستير في الأدب العربي الكلاسيكي، واللغات العربية الدارجة، وعلم القواميس والمعاجم العربية، ودراسات تحليلية للنصوص العربية المختلفة وخاصة في ميادين السياسة والاقتصاد والقانون والتقنية ووسائل الاتصال الحديثة.
وتلعب الشريعة الإسلامية دوراً بارزاً في إطار الدراسات العربية والفلسفة الإسلامية والشرقية في جامعة لايبزيغ الالمانية التي ارتبطت بدورها بأسماء بارزة من الأساتذة والمستشرقين الالمان، في الوقت الذي احتلت فيه هذه التشريعات الاسلامية مكانا مهماً في إطار تجديد هياكل قسم الاستشراق والدراسات العربية والاسلامية في مطلع التسعينيات الماضية وإعادة توحيد شطري ألمانيا الشرقي والغربي، الأمر الذي يشمل التعامل مع مصادر الشريعة الإسلامية وتطبيقها في الدول العربية والإسلامية، ويهم، وبصورة خاصة الطلبة والدارسين الراغبين في العمل في احدى الدول العربية والاسلامية أو المؤسسات الالمانية العاملة فيها، في المستقبل، في الوقت الذي يوفر القسم لطلبته دراسة العلوم الاقتصادية والاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي، من الناحيتين النظرية والعملية..
|