* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
في أحد فنادق القاهرة وفي أمسية شعرية حميمة التقى الشاعر الكبير فاروق جويدة بجمهوره وحين حاول جويدة القاء بعض القصائد السياسية وتحية المقاومة الفلسطينية طالبه الحضور بأن يكتفي بقصيدة واحدة هي «مت صامدا» وبعدها اتجهت الابيات الشعرية الى التحليق في الخيال والرومانسية وعالم من الذكريات والأسى.. وعلى هامش الامسية كانت هناك اسئلة الجمهور عن تجربته الشعرية وهل هناك مهمة بعينها تبعث القصائد على الورق؟ كما تطرق النقاش الى اوضاع الثقافة العربية بعد 11 سبتمبر.. الأزمة والمخاوف والآمال.
حالة عجز
في البداية سئل فاروق جويدة عن دور الثقافة العربية بعد 11 سبتمبر فأجاب بأن هناك أزمة حقيقية في الوقت الراهن خاصة بعد المتغيرات الدولية التي شهدها العالم بعد احداث 11 سبتمبر التي كانت لها آثار سلبية كبيرة على عالمنا العربي كله واظهرت ردود الفعل العربية بعد هذه الاحداث مدى القصور والعجز الذي كان يعاني منه الخطاب الثقافي العربي الذي لم ينجح في التعبير عنا كعرب وتوصيل صورتنا صحيحة الى الغرب، بل انه كان عاجزا حتى عن ان يفرض نفسه فيما يسمى بحوار الحضارات.
إصلاح داخلي
ويرى جويدة ان اصلاح الخطاب العربي الثقافي لابد ان يبدأ من الداخل قائلا: اننا في حاجة لهزة عنيفة من الداخل وتغيير دمنا وواقعنا وخلق اجيال جديدة قادرة على مواجهة تحديات القرن الجديد وان نوجه كل مجهوداتنا واستثماراتنا الى هذا المجال، فلا شك ان ارقى واهم واخطر انواع الاستثمار هو الاستثمار البشري وقيمتنا وقيمة حضارتنا هي بالفعل في البشر.
كما اشار الى ان خلق هذه الاجيال يتطلب جهودا كبيرة من ثلاث مؤسسات رئيسية لها ابلغ الاثر في ثقافة وتكوين هذه الاجيال وهي «الاسرة والمؤسسة التعليمية والاعلام»، وفيما يتعلق بالأسرة قال جويدة: ان الاسرة العربية تعاني من الانفصال عن الابناء، فالآباء لا يهتمون بالجلوس مع ابنائهم وبعضهم لا يكون همه الا جمع المال بهدف تأمين مستقبل ابنائهم والحقيقة ان هذا الانفصال يهدم مستقبل الابناء ولا يؤمنه فهو يتركهم عرضة للانحراف والخواء الثقافي والقيمي، فالابناء في حاجة الى من يوجههم وينمي قيما معينة لديهم اولها غرس الانتماء لهذه الامة، وتربية الابناء لا تكون بالقسوة ولكن بالتوعية والتوجيه لحمايتهم ثم اعطاء حرية وثقة لهم في فعل ما يريدون بوعي ومسؤولية بعد ان يعرفوا حدود حريتهم، ويمكنهم في هذا الاطار استخدام كل منتجات العصر كالانترنت، فالمنع والحظر يجعلنا نربي اجيالا خارج السياق وخارج الزمن ولن نواجه العصر الا بأسلحته وليس بالرفض لمعطياته ومنتجاته.
اما المؤسسات التعليمية - كما يرى جويدة - فهي تعاني الكثير من السلبيات فقد اصبحت العملية التعليمية عملية روتينية والمناهج صارت جوفاء ولا تقيس في الطلاب الا الحفظ والاستظهار الى جانب غياب المعلم القدوة الذي لم يعد لديه وقت لمناقشة الطلاب وتوسيع مداركهم، وقال جويدة: ان العملية التعليمية تحتاج الى تغيير شامل ومخططات مدروسة وواعية ومناهج تعليم مختلفة تسهم بالفعل في خلق جيل جديد واع ومثقف، ولا يعني ذلك ان نغير مناهج التعليم ارضاء للغير وافراغها من مضمونها تحت دعوى التطوير.
واكد جويدة ان الاعلام العربي ساهم كثيرا في تسفية وضعف هذا الجيل واحدث خللا كاملا في سلوكياته بما يثبته في عقولهم من كلام فارغ والالحاح بالنموذج السيىء والقبيح حتى كاد ان يخلق منه قيمة في المجتمع: وقال ان الاعلام العربي اصبح عاجزا عن اعطاء بعد الانتماء للاجيال القادمة كي تدخل في النسيج الاجتماعي، وهناك مجموعة اساسيات لابد ان نحافظ عليها ويروج لها الاعلام اولها ان نقدم لهذه الاجيال القدوة الحسنة والمواد الاعلامية ذات المضمون الهادف.
ثقافة السلام
وتطرق جويدة الى نوع آخر من انواع الثقافة قائلا: منذ اكثر من 25 سنة ونحن ندعو الى ما يسمى بثقافة السلام، اي سلام؟ انا غير مؤمن بالسلام مع اسرائيل، صحيح انني أؤمن بالسلام كفكرة ولكن المشكلة هي أي سلام نريده نحن وأي سلام تريده اسرائيل؟ ولذلك فأنا أرفض السلام على الطريقة الاسرائيلية، فمن غير المعقول ان نتعايش سلميا وهناك 300 مليون عربي مهددون بأكثر من 200 رأس نووي اسرائيلي واراضينا ما زالت محتلة واخواننا في الاراضي المحتلة يواجهون ابشع انواع الممارسات العنصرية.
واضاف جويدة نحن بالفعل ندعو للسلام ولا يستطيع احد ان يقول اننا دعاة حرب ولكن لن نظل نتحدث عن ان حرب اكتوبر هي آخر الحروب وان السلام خيار استراتيجي فليس هناك سلام دائم ولا عداء دائم وهذه هي طبيعة النفس البشرية، والسلام يحتاج الى القوة او نحن نحتاج الى التسلح بمصادر القوة وان نأخذ مكانا متقدما في سباق التسلح بيننا وبين اسرائيل وليس معنى هذا اننا نبغى الحرب، ولكنها ثقافة الردع التي تمنع حاليا الهند وباكستان من الدخول في الحرب لان كليهما يدرك ان الحرب ليست في صالحهما معا ولذلك فلا اتوقع ان تقوم الحرب بينهما، ونفس الشيء يجب ان يحدث في منطقتنا العربية في صراعنا مع اسرائيل اما بدون ذلك فلن يكون لنا وزن ولا اهمية على المستوى الدولي وستهضم حقوقنا.
سر الملهمة
وعن تجربته الشعرية والفرق بين كتاباته الصحفية وكتاباته الشعرية قال جويدة: ليس صحيحا ان كتابة الشعر لدي تحتاج الى مناخ خاص واوقات خاصة فأنا استجيب لملكة الشعر متى طرقت بابي وفي اي مكان ولا استطيع تأجيلها الى وقت آخر واحيانا انفعل بموقف او قضية معينة فتظل تدور بذهني حتى تتبلور كلماتها بداخلي وتخرج القصيدة في النهاية لتعبر عنها، اما الكتابة الصحفية فهي شيء آخر وتحتاج بالفعل الى وقت خاص بها ولكني اكتب كلما اردت الكتابة، فقط اضع عناصر الموضوع الذي اريد الكتابة فيه وارسمه في عقلي قبل كتابته على الورق ثم ابدأ الكتابة، واعتمد بصورة اساسية على ذاكرتي الخاصة اكثر من الاعتماد على الارشيف الا فيما يتعلق بمعلومات معينة تحتاج الى وثيقة واستزادة حولها.
|