يبدو أن الفلسطينيين والإسرائيليين قد وقعوا تحت وطأة الوهم الذي يجرهم نحو المأساة واليأس، لقد ساهم خطاب بوش في 24 يونيو في جر الطرفين بشكل أعمق إلى عوالم من الأوهام.
بشكل عام، لقد تجاهل النقاد الذين تناولوا خطاب بوش عناصره الايجابية المهمة والمتمثلة بالرفض الواضح لفكرة أريل شارون التي ترى الضفة الغربية وقطاع غزة مناطق «متنازع عليها» وليست محتلة، لقد بين الرئيس بوش لشارون أن الولايات المتحدة مثل باقي العالم المتحضر تعتبر أن الضفة والقطاع تحت الاحتلال، علاوة على ذلك فقد صرح الرئيس بوش أن هذا الاحتلال «الفاسد» يجب أن ينتهي هو و معاناة وضعف الشعب الفلسطيني، وإذا لم ينته هذا الاحتلال فان إسرائيل ستفقد هويتها وديموقراطيتها، وهذا يعني أن إسرائيل ستغامر في صداقة أمريكا ودعمها.لكن وللأسف الشديد فقد غطت العيوب على جوانب القوة لخطاب الرئيس، الأمر الذي أدى إلى تأزيم الموقف.
الوهم الإسرائيلي هو أن الذعر الذي يسببه الفلسطينيون والدعم الذي لا ينضب للعمليات (الفدائية) من الممكن ايقافه عن طريق العمليات العسكرية، من دون أن تقدم للفلسطينيين طريقا سلميا للوصول إلى حقوقهم نعم للفلسطينيين حقوق ولهم الحق في إقامة دولتهم، منذ انطلاق انتفاضة الأقصى قبل 21 شهرا ووكالات الاستخبارات الإسرائيلية يخبرون الساسة العسكريين في إسرائيل تكرارا أن القوة وحدها مهما كانت مدمرة لا تنهي هذه العمليات المرعبة، لقد تجاهل شارون بشكل متعمد كل هذه التحذيرات لسبب واحد فقط، لقد أدرك أن حكومة الوحدة الوطنية ورئاسته ستستمر مادام هناك حرب، لكنها ستتحطم في وجه العملية السياسية التي ستؤدي به في النهاية إلى رسم شروط إسرائيل في السلام.إن رئيس الوزراء الذي يختار طريقا يؤدي إلى وجود ضحايا إسرائيليين يبدو كما لو كان يحمل الدم الإسرائيلي بيديه، لكن في عالم الوهم الذي يعيشه معظم الإسرائيليين فإنهم يرون في شارون بدلا من ذلك قائدا مصمما على عدم «مكافأة الإرهاب» وهو شعار يستحق الموت من أجله.
لكن لسوء الحظ فإن هذا الوهم الإسرائيلي قد تعزز وقوي بعد خطاب بوش الذي انتهى إلى مطالبة الفلسطينيين بتغيير ياسر عرفات واصلاح المؤسسات السياسية حتى ولو كان تحت الحصار - وهذا اقتراح سخيف من أول وهلة - أما شارون فله الاستمرار في إعادة احتلال الضفة الغربية وحصار الشعب الفلسطيني كله.هذا على الأقل هو ما فهمه الإسرائيليون، وبالفعل لقد فسروا الخطاب على أنه دعم أمريكي كان يبحث عنه شارون لوضع الفلسطينيين في حقيقة أنهم لم يعودوا شركاء سلام مع إسرائيل.لقد قام عدد من أكبر الداعمين الغربيين للقضية الفلسطينية بعد الحادي عشر من سبتمبر بتحذير عرفات من أنه إذا لم يشجب الإرهاب أو إذا لم يشن حربا لإنهاء حماس والجهاد فإنه يبيع القضية الفلسطينية، لقد تظاهر بفهمه للرسالة ووعد بالعمل بمقتضاها لكنه لم يفعل شيئا، وكما فعل شارون، فإنه فضل «سلامة» الانتفاضة لحفظ الوحدة الوطنية بدلا من المغامرة في الصراع الداخلي وفيما بين سلطته بوضع حلول تسوية ضرورية للعملية السياسية.
لا يمكن اعتبار الرئيس بوش مخطئا عندما يقول إنه عندما يختار الفلسطينيون (الإرهاب) فإنهم لا يستطيعون إقامة دولة، لكن الرئيس فشل في ايصال النصف الباقي من هذه الرسالة والتي تقول إنه إذا ترك الفلسطينيون المقاومة العنيفة فإنهم في الوقت نفسه يساعدون شارون بتحقيق احتلال إسرائيلي من دون أية تكاليف.كان يجب على بوش تطمينهم أن هذا لن يحدث عن طريق تزويدهم بخريطة طريق أمريكية تؤدي بالنهاية إلى انتهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.لم يقدم الرئيس مثل هذه الخريطة، لكن في الوقت الذي تحدث فيه عن إقامة الدولة الفلسطينية خلال ثلاث سنوات، لم يعط بوش أي إشارة أو توضيح في الكيفية التي ستختلف فيه هذه الدولة عن فكرة شارون بإقامة جيوب فلسطينية معزولة بأقل من 50 بالمئة من الضفة
الغربية.
هنري سيجمان/ هيرالد تريبيون |