بالرغم من ظني أنني كطبيب أستطيع أن أساعد المرضى أكثر من غيري، فقد عرفت أن هذا الكلام ليس بصحيح دائماً، فقد سعدت بقصة أدمعت عيني من بعض المساعدات الصحيات السعوديات اللاتي تخرجن منذ حوالي 6 أشهر من أحد المعاهد الصحية الخاصة وعملن في أحد المستشفيات الخاصة بالخبر في قسم علاج الحالات المزمنة والمصابة بالإعاقة وأحسست عندها بالفرح أن لدينا الآن مساعدات صحيات سعوديات يخدمن وطنهن وأهلهن، أخبرتني الأخت المساعدة الصحية وصال أنها عينت للعمل بأحد اقسام المستشفى وبه حوالي 10 مرضى من كبار السن السعوديين من النساء والرجال وبعض الأطفال المعاقين، وكان كل من يعمل من الممرضين والمساعدين في ذلك الجناح من جنسيات أجنبية غير عربية ولا تتحدث اللغة العربية وبعضهم من غير المسلمين، وكانت هناك علاقة جامدة بين المرضى والعاملين لدرجة أن الأخوات المساعدات الصحيات من السعوديات عندما بدأن العمل ودخلن العنبر، كنّ في حالة من انقباض القلب والشعور بالغرابة وكآبة وظلمة المكان ومن هنا تبدأ القصة الجميلة.. كُلِّفت المساعدات الصحيات السعوديات برعاية عدد من المرضى والمريضات السعوديات، وكان بعضهم مصابا بجلطات دماغية، وفقدوا المقدرة على الكلام لكن احساسهم بمن حولهم ظل في وعي كامل مما يزيد الألم، ولكنهم شعروا بالاكتئاب أكثر لأن أقرباءهم تركوهم لمن يرعاهم من غير لسانهم ودينهم وهم في هذه الحالة الكئيبة صحياً، وبالتالي أصبح هناك جمود ورفض في هذه العلاقة، فبعض المرضى يرفضون تناول الطعام فزاد نحولهم وبعضهم يرفض أخذ الدواء ولا تستطيع الممرضة أو المساعدة الأجنبية التي لا تجيد اللغة العربية ولا تعرف عاداتهم وتقاليدهم أن تحل المشكلة، دخلت المساعدة الصحية السعودية وصال وقالت لها السلام عليكم يا أمي أنا وصال الممرضة الجديدة جئت أساعدك، فوجئت وصال بالخالة مريم وعمرها سبعون عاماً تبكي وتهتز وتقبل يد المساعدة الصحية فتبادلها بنتها وصال الدموع.. دموع التعاطف لأنها لا تعرف لماذا تبكي الخالة مريم ولا تستطيع الخالة مريم الحديث فهي مصابة بالجلطة ولكنها عرفت بعد أن مارست العمل معها أنها كانت محرومة من سماع صوت اللهجة السعودية ومفرداتها الجميلة وقصصنا التي تذكرها بالحي الذي عاشت فيه والشارع الذي كانت تمر به والناس من حولها فزادت سعادة الخالة مريم، وفرحت بوصال المساعدة الصحية التي جلبت لها السعادة من جديد، وبدأت تتناول الطعام بطيب خاطر وتأخذ الدواء، وكلما أقبلت وصال المساعدة الصحية بنت الوطن لخالتها المريضة مريم قبلتها خالتها في يدها فتبادلها وصال القبلة في يدها ورأسها وتحضنها كأنها تحضن أمها وتقول لها الله يخليك يا خالة.. يا أمي لنا، وتودعها بعد الظهر ونظرات الخالة مليئة بالفرح والشكر والأمل والشوق للقاء بنتها المساعدة الصحية في الصباح الباكر لتناول الأفطار على يدها وتغيير ملابسها والتأكد من حرارة الجسم ونبض القلب وسرعة التنفس وتناول الدواء ومساعدتها في اجراء بعض العلاج الطبيعي والرياضة وأخذها في جولة خارج الجناح، كل ذلك تحت اشراف الطبيب المسئول والممرضة المسئولة.. ولك الله يا وصال وزميلاتك.. ولك الله يا خالة مريم.. غفر الله لنا كم غفلنا عنك يا حبيبتنا يا من رعيتِ أبناء أحفادك بكل الحب والعطف والحنان وانشغلنا عنك بسبب هذه الدنيا.
ولكن ان عادت لك وصال لترعاك فستكون وزميلاتها السعوديات من المساعدات الصحيات هن جسر الوصال بينك وبين أفراد أسرتك التي غفلت عنك... وسنراك كل صباح وأنت في صحة وسعادة يا خالتي مريم.. وسامحينا يا خالة مريم.
ولك ألف تحية يا مساعدتي الصحية.
د. نبيل القرشي أستاذ مشارك طب الأسرة والمجتمع - كلية الطب جامعة الملك فيصل - نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع |