Saturday 6th July,200210873العددالسبت 25 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

يارا يارا
قياس درجة الحب
عبدالله بن بخيت

أحمل دائما في قلبي مشكلة المقاييس، أرجو ألا يظن الاخوة في هيئة المقاييس ان الأمر يعنيهم لأنني أقصد بالمقاييس تحديد درجة الأشياء العاطفية المنتثرة في القلب والجسد، هناك أشياء كثيرة متروكة لحسن التقدير مع الأسف، هناك مقاييس طورها الإنسان بشكل اتفق عليه الجميع، مثل قياس الحرارة وقياس ضغط الدم وقياس الزلازل، ولكن هناك أشياء كثيرة لم يبادر الإنسان حتى الآن إلى وضع مقاييس دقيقة لها، فمثلا لا نعرف درجة الألم ولا حتى تعريفه، كلمة ألم تنطبق على مشاعر كثيرة، كلنا تقريبا جرب وجع الرأس وجرب وجع الجرح وجرب وجع البطن وجرب وجع الكي وجرب وجع الضرس، وكلنا نعرف ان كل وجع يختلف عن الآخر، وحتى إذا اتفقنا على شكل الألم «وجع الضرس» مثلا سنواجه مشكلة أصعب وهي تحديد درجته، حتى الآن لا أحد يعرف مدى التألم وخصوصا أن الناس يختلفون في تحمل الألم، فبعضهم يضبط النفس حتى مع أعتى الآلام بينما بعضهم ما يتحمل ولا «قبصة».
ومن جهة أخرى قد تكون «القبصة» أشد فتكا من «الزرادية» وهي تشد لضرس بلا بنج، فالمسألة ليست مجرد خبرة مع الألم ولكنها أيضا تعود إلى مشكلة ترجمة في داخل الدماغ، وما يعزز هذا الرأي أن هناك قليلا من الناس يولد بلا إحساس بالألم نهائيا، بالإضافة للألم هناك كثير من المشاعر أهملها الإنسان فلم يضع لها مقاييس ترد إليها. فهناك الحزن وهناك الفرح وهناك الكراهية.
ولكن ما أتمناه أكثر أن أرى جهازاً أو طريقة تقيس درجة الحب بالإتقان الذي نقيس به درجة الحرارة.
مشكلة الحب انه أشد غموضا من الألم، وربما من الحزن والفرح، فالألم يمكن تحديده في جسد ومشاعر واحدة وفي مدى محدد، بينما الحب يمتد إلى أكثر من جسد وتختلط فيه مجموعة من المشاعر المختلفة وربما ثقافات متباعدة، فدرجته مثلا ترتفع وتنخفض بأمر من الآخر المحبوب، فالحب في نظري مرتبط بالحياة نفسها ويعبر عنها. فهو يقوم على علاقة إنسان بإنسان آخر، حب الرجل للمرأة أو العكس وحب الوالدين لبنيهم وبناتهم وحب الابن لوالديه، أحلم بميزان لقياس درجة الحب، بحيث نضعه على جسد المحب لنعرف إلى أي درجة بلغ حبه أو حبها. لوجود ميزان من هذا النوع لا بد من وجود ما يمكن أن أسميه «الحب الخالص»، «الحب النقي»، الحب المطلق»، فكما هي الحال في قياس درجة الحرارة، بدأ علماء الفيزياء من الصفر المطلق وهو أقصى ما تصله درجة الحرارة من هبوط.
حب الرجل للمرأة أو المرأة للرجل لا يمكن أن يكون مقياساً نبدأ به رغم أنه هو أصل الحب، لأنه يختلط مع كثير من المصالح ويتأرجح في كثير من الأحيان كما أن له علاقة بأشياء جسدية مختلفة وعرضة للفتور وربما للموت، وحتى حبك لوالديك لا يصلح أن يكون الحب المطلق ففيه نوع من المكافأة، فكأنك ترد الجميل، فمن المعتاد أن نقول للتعبير عن هذا الحب «والله ما قصروا معي الله يجزاهم عنا كل خير.. إلخ»
أظن انه إذا أردنا أن نبدأ بوضع سلم درجات للحب، وإذا كان هناك حب خالص فلن تجده إلا في حبك لأطفالك، فأنت تحب هذا الكائن الصغير دون مقابل، حب لا يشوبه أي شائبة دنيوية. لا تتوقع منه أي مساهمة، لن تحصل منه على الدفء والحنان اللذين تقدمهما لك أمك ولن تحصل منه على الأمن والرعاية اللذين يقدمهما لك والدك، كما لن تحصل منه على المتعة والدعم الذي تقدمه لك الزوجة، فالحب لكل الأطراف مشوباً بأشياء أخرى إلا حب الأطفال، هو الكائن الوحيد الذي لا يمكن أن تهجره أو تشتكي منه أو تنتظر منه أي مكافأة وحتى إذا غضبت عليه فأنت تغضب عليه من أجله لا من أجلك، أعتقد أن الحب يبدأ من هنا ومن له رأي آخر يبعث به إليّ إذا تكرم.

فاكس: 4702164

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved