Saturday 6th July,200210873العددالسبت 25 ,ربيع الثاني 1423

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

الإعلام العربي في غرفة الإنعاش الإعلام العربي في غرفة الإنعاش
القناة العربية خيار عاطفي وليست خياراً عقلانياً
علي بن شويل القرني*

كما سبق أن قلنا بأن الإعلام هو بؤرة الصراع بين العرب والاسرائيليين.. والحرب الناشبة حاليا هي حرب كلمات وعقول وجماهير.. وعرف الجانب الاسرائيلي الطريقة التي ينبغي عملها للتصدي للحملات التي ترى انها مضادة لإرادتها السياسية، فاتجهت إلى شركات علاقات عامة، إحداها وهي رئيسية في نيويورك «هاورد روبنستاين»، حيث تعاقد معها ارئيل شارون لتحسين الصورة الذهنية لاسرائيل التي واجهت ردة فعل عالمية صاخبة نتيجة القتل والتدمير الذي لاقاه الفلسطينيون من الجنود والمؤسسة العسكرية الاسرائيلية.. كما اتجه كذلك إلى إحدى شركات العلاقات العامة الفرنسية لنفس الغرض لتحسين صورته الأوروبية.. أما العرب فكالعادة اتجهوا إلى وزراء الإعلام العرب في اجتماعاتهم السنوية ليتخذوا قرارات - يفترض أن تكون مصيرية تؤثر على حركة العمل السياسي اليومي..
وشتان بين أن تتخذ اسرائيل قراراً فورياً بإيفاد شخص ممثل لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى باريس ونيويورك ليتعاقد مع شركات علاقات عامة، بعد تشاور سريع بين أفراد الحكومة الإعلامية داخل اسرائيل والممثلة من بعض الوزراء ومندوبين من مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية الاسرائيلية.. وبين قرار الجامعة العربية الذي انتظر حوالي العام ليقرر إيفاد السيدة حنان عشراوي لتتكلم باسم العرب والفلسطينيين.. أو ينتظر عامين ليقرر العرب إنشاء قناة باللغة الانجليزية.. وربما سنوات عديدة حتى يمكن تفعيل مثل هذه المحطة.. وربما عقود من السنوات حتى يمكن أن تترك أثرها ونفوذها في الرأي العام العالمي.. ولكن أخشى أن نكون في ذلك الحين قد تبدلت قضايانا وأصبحنا معنيين بموضوعات أخرى جديدة..نعم شتان بين قرار حكومي عربي يتبلور بعد مدة طويلة، ثم يأتي مشوّها وغير قادر على التصدي الفعلي لجوهر المشكلة، وبين قرار حكومي اسرائيلي «شبيها بقرار القطاع الخاص» يكون فورياً وموجهاً بطريقة غير بيروقراطية ولتحقيق هدف واضح ومباشر.. الأول «عربياً» يترنح في غرفة الإنعاش، والثاني «اسرائيلياً» خرج من المستشفى وبدأ يستعيد عافيته ويترجم ذلك في كامل قوة العمل المطلوبة.. الأول بدأت الأحداث تجرف لصالحه تأييداً عالمياً، والثاني بدأ يجرف الأحداث لمصلحته إعلامياً..ومن المؤكد أن لعبة ال CNN والتشهير بها على أنها منحازة ضد المواقف الاسرائيلية هي في الأساس لعبة علاقات عامة من اختراع «هاورد روبنستاين» وليست من اختراع العقلية الاسرائيلية، ونفس التصريحات التي شنها وزير الاتصالات الاسرائيلي ومعه بعض أفراد الحكومة الاسرائيلية هي تصريحات مكتوبة أعدتها «هاورد روبنستاين» بهدف إثارة زوبعة كبيرة هددت بها هذه الشبكة وأرضختها إلى انتداب أهم مندوب ال CNN وهو مراسل البيت الأبيض ليأتي إلى اسرائيل ويعد خمس حلقات تلفزيونية هي بمثابة سموم دعائية تحاول بها اسرائيل تسميم الرأي العام العالمي.. وكلها ترجع إلى لعبة اسرائيل المعتادة التمثيل بأنها ضحية لقتل وتدمير وحرق وإرهاب.. نفس فكرة الهوليكوست.. وهذا ما حاولت تحقيقه اسرائيل من خلال شبكة ال CNN.. وكما فعلته قبل ذلك مع شبكة FOX NEWS.. وسيأتي في الطريق محطات وشبكات أخرى.. فهي لعبة تستحليها اسرائيل وستواصل بها جهودها في التأثير على القرار الإعلامي حتى يمكن أن تؤثر كذلك على القرار السياسي والرأي العام العالمي.. نعم هذا نجاح حقيقي ليس لأرييل شارون بل لشركة العلاقات العامة التي قلبت الأمور ظهراً على عقب.. ولكنه في نهاية المطاف هو نجاح لأهداف أرييل شارون..ويظل الإعلام العربي في غرفة الإنعاش.. نفكر في ترصد ما يقال ويبث وينشر عنا العرب.. وهذا مهم بدرجة معينة والذي تمثل في إقامة مرصد إعلامي في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن تظل هذه الخطوات دفاعية بحتة.. لتأكيد تحيز وسائل الإعلام الغربية.. ولكن الخطوة المفترض أن نتواجه معها هي ما هي مبادرتنا الإعلامية التي ينبغي أن تتحرك وتتجه لتقليب الوضع وتعكيس الرؤية التي بدأت تترسخ في ذهنية العالم عن عدم عدالة قضايانا.. وتشريح مواقفنا وتفتيت جوهر الكينونة العربية ذات القيم الإسلامية والعربية الأصيلة..وقد يكون لي رأي مخالف للتيار الإعلامي والأكاديمي الذي أيد مشروع تأسيس قناة تلفزيونية باللغة الانجليزية، حيث إن مشكلة القناة أنها ستكون بدرجة أساسية مصنفة على أنها حكومية عربية.. ولن تخرج عن هذا النطاق.. وكنت أرى أن الأجدى هو أن نتعامل مع شركات اعلام وعلاقات عامة لخدمة قضايانا.. وسيكون أمامنا أحد الخيارين التاليين:
1 إما أن يكون لدينا قناة إعلامية واحدة تخدم مصالحنا، ولكن هذا قد يستدعي عداوة معظم قنوات العالم بحكم أن العالم عادة ما يشكك في القنوات الحكومية.. وهذا هو الخيار العربي الذي نحن بصدد تنفيذه حاليا من خلال الجامعة العربية..
2 أو نتجه إلى شركات علاقات عامة عربية وعالمية وبهذا يمكن أن نسخر ليس قناة واحدة فقط بل كل قنوات العالم بقدر لا بأس به لخدمة قضايانا العربية.. وهذا هو الخيار الذي أرى جدارته في الوقت الراهن..

*رئيس الجمعية السعودية لعلوم الاتصال
أستاذ الصحافة والإعلام الدولي بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.cdu.sa

 

[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved