يتخذ الإعلام مكانة مرموقة وبارزة في هيكل بناء الدول الحديثة، وقد أصبحت وسائل الإعلام بما لديها من تأثير في جميع نشاطات الدولة عنصرا أساسياً وحاسماً في التعبير عن الخيارات الداخلية والخارجية للدول والمجتمعات، وهي بذلك تقف على قدم المساواة مع أهم مؤسسات الدولة استشعاراً من القائمين على أمرها بضرورة أن يكون للإعلام موقع أكثر تقدماً وإمعاناً في تأكيد دوره في المحافظة على مقومات السيادة والاستقلال الوطني.
فقد تعاظم دور الإعلان، وخاصة في هذا العصر الذي اكتسب ملامحه من تنوع تقنية الاتصال وتطورها مما جعل الإعلام يشكل حضوراً فاعلاً داخل وحدات التيار الاجتماعي ويحدث تأثيره «الإيجابي أو السلبي» في مفردات كل وحدة بدءا بالفرد ومرورا بالأسرة والشعب وانتهاء بالمجتمع الدولي.
وبفضل القدرات الهائلة التي تمتاز بها وسائل الإعلام في تحويل وتغيير وتثبيت الآراء والمواقف والقناعات، أصبح الأخذ بناصية فنون وتقنيات الإعلام أمرا مهما وضرورياً تضعه الدول في مقدمة أولوياتها، وأصبح مستوى نجاح الدول في تحديث إعلامها أحد أهم مقاييس التقدم ومواكبة حضارة العصر.
وللإعلام الصهيوني منذ نشأة الكيان الإسرائيلي أساليب مختلفة يستخدمها في خدمة أطماعه وأهدافه في فلسطين.
فقد عرفت الدعاية الصهيونية أن تخاطب الناس حسب مستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية، وحسب توجهاتهم الفكرية والعقائدية، وانتهجت الدعاية الصهيونية أساليب متنوعة لمخاطبة الناس من أجل تحقيق أهدافها.
لقد تركز الإعلام الصهيوني منذ نشأته على مراكز الثقل السياسية العالمية أي في البداية على أوروبا ثم بعد ذلك على أمريكا الشمالية، وبما أن الحركة الصهيونية قد ربطت نفسها منذ البداية بالدول الكبرى وطموحاتها وأطماعها السياسية والاقتصادية فقد حرصت على أن تحافظ على علاقة خاصة بهذه الدول صاحبة القرار السياسي، وعملت الدعاية الصهيونية على أن تدعم سياسة الحركة الصهيونية المرتبطة بأطماع هذه الدول ليس على الصعيد السياسي فحسب بل على صعيد الإعلام أيضاً، لقد جعل الإعلام الصهيوني من خلال نشاطه وتركيزه على التأثير على الرأي العام في تلك البلدان من الرأي العام رافداً وداعماً لسياسة الدولة المؤيدة للأهداف الصهيونية والمتفقة مع الأهداف الاستيطانية الصهيونية.
ولا شك بأن الأساليب الإعلامية المختلفة التي ينتهجها الإعلام الصهيوني هي دليل واضح على أن الحركة الصهيونية هي من الحركات القليلة في هذا العالم التي أحسنت استخدام سلاح الإعلام، وسخرته لكي يصبح أداة قوية ومؤثرة في أيديها.
والأساليب المستعملة في الإعلام الصهيوني كثيرة ومتشعبة، ومتداخلة مع بعضها البعض، ولكن جميعها تفي بالغرض المطلوب سواء كان على صعيد الابتزاز أو الاستعطاف، أو أسلوب المناورة.
وتتصاعد هذه الأساليب لتصل إلى المراوغة والتهديد، وبعد ذلك إلى أسلوب التشنيع للخصم وتعظيم الذات.
فالإعلام الصهيوني لا يعرف الحدود ولا القيود من أجل تنفيذ أهدافه، وللوصول إلى أغراضه وطموحاته.
وفي انتفاضة الأقصى الحالية كلفت الحكومة الإسرائيلية «داليا رابين» نائبة وزير الدفاع بنيامين بن اليعازر وابنه رئيس الوزراء الإسرائيلي «إسحاق رابين» الذي قتل في نوفمبر «تشرين الثاني» 1994م على يد متطرف إسرائيلي بقيادة حملة علاقات عامة دفاعاً عن سياسة الحكومة الإسرائيلية في المحافل الدولية وسط مخاوف من فوز الفلسطينيين المعتدى عليهم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى في الحرب الإعلامية لكسب الرأي العام الدولي.
وتشتمل حملة الدعاية العالمية التي رصدت لها الحكومة الإسرائيلية «عشرة ملايين» دولار على استئجار خبراء علاقات عامة أمريكيين مثل «هوارد روبنتشتاين» و «وكالة نيويورك» التي من بين عملائها «دوقة يورك» و «مايكل جاكسون».
وقامت «داليا رابين» برحلات إلى الخارج أوضحت فيها موقف الحكومة الإسرائيلية التي تخضع حالياً لانتقادات حادة على المسرح الدولي.
ويقف وراء هذه الفكرة السياسي المخضرم الذي يدرك تماما أهمية الرأي العام الغربي في صناعة القرار السياسي، وزير الخارجية «شمعون بيريز» الذي يخطط أيضاً لإشراك شخصيات إسرائيلية عامة في هذه الحملة مثل قائد الفرقة الموسيقية الشهير «زوبين ميهتا» و «إسحاق بيرلمان» عازف الكمان والمؤلفين «ايلي عامير» و «عاموس أوز».
ويتم تنسيق الحملة الدعائية في «القدس» من قبل رجل من الطراز الأول في العلاقات العامة وهو «جدعون مائير» الذي كان له الدور الرئيسي في تعريف رئيس الوزراء البريطاني «توني بلير» على كبار الشخصيات في الجالية اليهودية في بريطانيا عندما كان يتولى منصب سفير إسرائيل في لندن كما لعب دوراً فاعلاً في إقناع «بلير» بإبعاد حزب العمال البريطاني عن سياسته التقليدية المؤيدة للموقف الفلسطيني، ويتولى «جدعون مائير» حالياً منصب نائب مدير العلاقات العامة بوزارة الخارجية الإسرائيلية، وهو يقول:
«إن إسرائيل تتعرض إلى الانتقاد من قبل الإسرائيليين ويهود العالم في الخارج بخصوص عجز الإدارة عن مواجهة النشاط الإعلامي الفلسطيني الذي احتل شاشات التلفزيون».
واعترف مائير بأن إسرائيل تخوض معركة خاسرة في هذا المضمار حالياً، كما اعترف بأن إسرائيل لم تعمل على مساعدة قضيتها أحياناً ولذلك وجهت وزارة الخارجية الإسرائيلية النصيحة إلى وزارة الدفاع بإدخال برامج تعليمية لصغار الجنود الإسرائيليين وتشجيع استخدام الأسلحة الأقل فتكاً.
وحول موقف شارون من فكرة شن حملة إعلانية واسعة قال إنه متحمس جداً له لأنه يريد للعالم أن يعرف الوجه الحقيقي لإسرائيل وأن ذلك الوجه قد جرى تشويهه في وسائل الإعلام بسبب التغطيات الإعلامية المنتقاة والمنحازة وبسبب نجاح الفلسطينيين في تقديم أنفسهم للرأي العام كضحايا اعتداء إسرائيلي.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الإرهابي ارييل شارون قد صادق على هذه الحملة بعد أن عرض برنامج بانورما في ال«BBC» تورطه في مجزرة صبرا وشاتيلا.
وإلى جانب محاولة تغيير مواقف وسائل الإعلام تهدف الحملة الدعائية الإسرائيلية إلى مناشدة يهود العالم بالوقوف صفا واحدا خلف إسرائيل.
وقال «جدعون مائير»: إن هذه الحملة عبارة عن مشروع مشترك لجميع اليهود في العالم ونحن مضطرون لأن نعلم الجيل الجديد من اليهود في العالم حول المبررات الروحية والتاريخية لوجود إسرائيل في هذه النقطة من العالم.
وفي الحملة الإسرائيلية الأخيرة في اجتياح الأراضي الفلسطينية والتي بدأت يوم 29 مارس 2002م استعان مجرم الحرب أرييل شارون بكل وسائل الإعلام الصهيونية والعالمية المعادية للفلسطينيين في تلميع صورة العدوان الصهيوني، ومن جملة من قاموا بذلك بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي أرسله شارون للولايات المتحدة للقيام بحملة إعلامية للتغطية على الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وبصفتي إعلامي مراقب لما يدور في الوطن العربي مقيم في أوروبا، والتي لا جدال على مدى دور وسائل الاتصال الجماهيري وحملات العلاقات العامة في صناعة وتشكل موقف الجماهير بالسلب أو بالإيجاب أو التجاهل من أية قضية يتم السعي لطرحها مثل تلك الحملات، لقد فوجئت بضآلة المبلغ الذي خصص من قبل الحكومات العربية لجامعة الدول العربية لاطلاق حملة علاقات عامة لصالح الفلسطينيين والعرب بشكل عام.
إن وضعنا الإعلامي العربي على المحك، ونستطيع أن نقول عن هذا الإعلام إنه غير متبلور وغير متطور، فإعلامنا العربي لا يزال في أطواره البدائية، أي أنه لا يوجد هناك عقلية إعلامية تسيره أو حتى منهجية إعلامية مدروسة تخطط له، فالعمل الإعلامي هو حصيلة خبرة الإعلاميين وعصارة ذهنهم، والإعلاميين العرب وحتى الفلسطينيين منهم لا يزالون في مراحل غير متقدمة ولا نستطيع بأي حال من الأحوال مضاهاة الإعلام الصهيوني أو التنافس معه، فالمسافة بين إعلامنا العربي والفلسطيني من جهة الإعلام الصهيوني من جهة أخرى هي شاسعة جداً، وما إعلامنا العربي إلا نقطة في بحر الإعلام الصهيوني المنظم والمبرمج.
ومع ذلك أقول إنه لابد من العمل فوراً على اطلاق حملة علاقات عامة في كافة الاتجاهات مدروسة ومبنية على أسس علمية منهجية تحلل جيداً طبيعة الجمهور وخصائصه والعنصر الثقافي والسمات الشخصية لكل فئة حتى نستطيع تفادي أخطار الإعلام الإسرائيلي، وإيصال الصوت الفلسطيني إلى الرأي العام العالمي وكسبه لصالح قضيتنا العادلة.
* نائب المدير الإقليمي للاتحاد العالمي للإعلام واستطلاعات الرأي لندن
|